للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين عدالة الراوي وعدالة الشاهد]

السؤال

ما رأيك في تعريف العدالة بالآتي: هي صفة تحمل صاحبها على التقوى، واجتناب الأدناس، وما يخل بالمروءة عند الناس؟

الجواب

لا نقول: إنها صفة؛ لأن صاحبها قد يكون متكلفاً ومطيعاً لله عز وجل حتى صار عدلاً، أما أن يقال صفة؛ فمعنى هذا أنها طبيعة وغريزة، فما أعتقد في هذا! السؤال: لو قلنا: إن العدالة هي مظنة صدق الراوي، فمتى يدخل تحتها المبتدع وغيره مما ذكرتَ الآن؟ الجواب: الصدق -أيضاً- لا يكفي يا أخي؛ لأن الشاهد يجب أن يكون صادقاً، وإلاَّ لا يكون عدلاً، المهم في الموضوع في التفريق بين الرواية والشهادة هو: الحفظ، والضبط، وليس الصدق، فالصدق واجب في الأمرين، أم أن الكلام ليس واضحاً؟ مثلاً: شخص جاء وشهد أنه رأى فلاناً يفعل كذا، ألا يُشترط أن يكون صادقاً؟ السائل: لا يشترط فيه العدالة.

الشيخ: اتركنا من العدالة الآن! أنا أسأل عن الشاهد، الشاهد يريد أن يقول: أنا رأيت فلاناً يضرب فلاناً، أو يأخذ مال فلان، ألا يشترط فيه أن يكون صادقاً؟ السائل: إذا أردنا قبول خبره فيشترط أن يكون صادقاً؟ الشيخ: سبحان الله! أنا لا أحكي عن الخبر -يا أخي- أنا قلت لك: شخصٌ شهد أن فلاناً ضرب فلاناً، أو فلاناً أخذ مال فلان، ألا يشترط فيه أن يكون صادقاً؟ السائل: لا يشترط.

الشيخ: الله أكبر! إذاً ضاعت الحقوق -بارك الله فيك-.

السائل: آسفٌ! آسفٌ! نعم واضح الشيخ: الصدق يُشترط في الشاهد وفي الراوي؛ لكن الفرق من حيث أن يُعْرَف بأنه ضابط حافظ؛ لأن مخ هذا الراوي الضابط الحافظ يمتلئ بالعديد من العشرات والمئات والألوف من الروايات، فهذا لا بد أن يكون متيناً في الضبط، بينما هذا الشاهد رأى حادثة، فيكون من السهل أن يؤديها كما رآها؛ ويشترط فيه أن يكون صادقاً، لا أن يكون كاذباً؛ لكن لا يشترط فيه ما يشترط في الرواي الذي يحفظ المرويات الكثيرة والكثيرة جداً، فكما يقولون مثلاً: فلان ضعيف، لماذا؟ لأنه كان يوصِل المنقطع، أو كان يرفع الموقوف، أو يوقف المرفوع، أو أو إلخ، لماذا يفعل هكذا؟ لأنه تختلط عليه كثرة الروايات التي امتلأ مخه بها، وما كان عنده ذلك الضبط والحفظ المتين، فيُلْحَق بالضعفاء الذين لا يُحْتَج بهم، ثم إن هؤلاء ينقسمون إلى قسمين: - منهم مَن يصدر منه الخطأ، فيقال: إنه ضعيف جداً، لا يُسْتَشْهد به.

- ومنهم مَن لا يصدر منه الخطأ، فيقال: يستشهد به.

لكنهم أحياناً يقولون: فلان يكذب، أو فلان كذا؛ لكن القسم الأول يقولون عنه: إنه صدوق، لا يكذب؛ وكما يقول ابن حبان في كثير من تراجمه: إن هذا الراوي كان رجلاً صالحاً؛ ولكن حدَّث بالمنكرات عن الثقات، وجاء بالأباطيل عن كذا، إلخ، غير متعَمِّد؛ لأنه كان صالحاً، أي: كان صدوقاً في نفسه.