[أصول الدعوة السلفية]
هذا سؤال هام بطبيعة الحال، وسوف نجيب بقدر ما يساعد المكان والزمان.
نقول: أصول الدعوة السلفية قائمة -كما يعلم الجميع- على ثلاث دعائم: الدعامة الأولى: القرآن الكريم.
والدعامة الثانية: السنة والسنة الصحيحة، ويركز السلفيون في كل بلاد الدنيا على هذه الناحية (السنة الصحيحة) ؛ ذلك لأن السنة -بإجماع أهل العلم- قد دخل فيها ما ليس منها منذ أكثر من عشرة قرون، هذا أمر لا خلاف فيه؛ ولذلك من المتفق عليه أيضاً أنه لا بد من تصفية السنة مما دخل فيها مما ليس منها؛ ولذلك فالسلفيون يتبنون أن هذا الأصل الثاني (السنة) لا ينبغي أن يؤخذ على واقعه؛ لأن فيه الضعيف والموضوع مما لا يجوز الأخذ به حتى ولا في فضائل الأعمال، فهذا هو الأصل الثاني، وهذا متفق عليه تقريباً بين المسلمين سلفهم وخلفهم.
والدعامة الثالثة: وهو مما تتميز به الدعوة السلفية على كل الدعوات القائمة اليوم على وجه الأرض؛ ما كان منها من الإسلام المقبول، وما كان منها ليس من الإسلام إلا اسماً، فالدعوة السلفية تتميز بهذه الدعامة الثالثة ألا وهي: أن القرآن والسنة يجب أن يفهما على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، أي: القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية بنصوص الأحاديث الكثيرة المعروفة، وهذا مما تكلمنا عليه بمناسبات شتى، وأتينا بالأدلة الكافية التي تجعلنا نقطع بأن كل من يريد أن يفهم الإسلام من الكتاب والسنة بدون هذه الدعامة الثالثة فسيأتي بإسلام جديد، وأكبر دليل على ذلك الفرق الإسلامية التي تزداد في كل يوم؛ والسبب في ذلك هو عدم التزامهم هذا المنهج الذي هو الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.
لذلك نجد الآن في العالم الإسلامي طائفة ظهرت من جديد، وطلعت علينا من مصر، ثم بثت أفكارها وسمومها في كثير من بلدان العالم الإسلامي، ويدعون أنهم على الكتاب والسنة، وما أشبه دعواهم بدعوى الخوارج؛ لأنهم أيضاً كانوا يدعون التمسك بالكتاب والسنة، ولكنهم كانوا يفسرون الكتاب والسنة على أهوائهم، ولا يلتفتون إطلاقاً إلى فهم السلف الصالح وخاصة الصحابة منهم، وأنا لقيت من هؤلاء أفراداً كثيرين، وفي الفترة القريبة في الأردن جادلت رأساً من رءوسهم للمرة الثانية، وهو يصرح بأنه لا يعتد بتفسير الآية ولو جاء عن عشرات من الصحابة، أي: لو جاء هذا التفسير عن عشرات من الصحابة، فهو لا يقبل هذا التفسير إذا كان هو لا يراه، وهذا الذي يقول هذا القول لا يستطيع أن يقرأ آية بدون لحن وغلط وخطأ فيها، هذا هو سبب انحراف الخوارج القدامى، الذين كانوا عرباً أقحاحاً، فماذا نقول عن الخوارج المحدثين اليوم، الذين هم إن لم يكونوا أعاجم فعلاً فهم عرب استعجموا، وليسوا عجماً استعربوا، هذا واقعهم، فهؤلاء يصرحون بأنهم لا يقبلون تفسير النص إطلاقاً، إلا إذا أجمع عليه السلف، هكذا يقول قائلهم تمويهاً وتضليلاً.
فقلت له: وهل تعتقد إمكان إجماع السلف على تفسير لنص من القرآن؟ قال: هذا مستحيل.
قلت: إذاً أنت تريد المستحيل، أم أنك تتستر؟ فخنس وسكت.
الشاهد: أن سبب ضلال الفرق كلها قديماً وحديثاً هو عدم التمسك بهذه الدعامة الثالثة: أن نفهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح.
المعتزلة المرجئة القدرية الأشعرية الماتريدية؛ وما في هذه الطوائف كلها من انحرافات، سببها أنهم لم يتمسكوا بما كان عليه السلف الصالح؛ لذلك قال العلماء المحققون: وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
فهذا ليس شعراً، بل هذا الكلام مأخوذ من الكتاب والسنة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:١١٥] لماذا قال: ويتبع غير سبيل المؤمنين؟ كان يستطيع ربنا أن يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) فلم قال: ويتبع غير سبيل المؤمنين؟ حتى لا يركب أحد رأسه، ولا يقول: أنا فهمت القرآن هكذا، وفهمت السنة هكذا، فيقال له: يجب أن تفهم القرآن والسنة على طريقة السلف المؤمنين الأولين السابقين.
وقد أيد هذا النص من القرآن نصوص من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، كحديث الفرق، قال عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: في رواية الجماعة.
وفي أخرى: ما أنا عليه وأصحابي) لماذا وصف الفرقة الناجية بأن تكون على ما كانت عليه الجماعة، وهي جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لكي يسد الطريق على المؤولين، وعلى المتلاعبين بالنصوص.