[حكم التلفظ بالنية]
النيات في كل العبادات مقرها القلب، ويجب أن يعرف هذا كل مسلم يهمه اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما اعتاده جماهير المسلمين اليوم وقبل اليوم، وما تقرر في بعض الكتب الفقهية من أن التلفظ بالنية سنة، منهم من يقول: سنة مستحبة، ومنهم من يقول في بعض الحواشي والشروح تفسيراً لقول الماتن تحت عنوان سنن الصلاة؛ فيعد أول ما يعد: التلفظ بالنية، ويأتي المحققون والباحثون فلا يجدون في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام التلفظ بنية الصلاة مطلقاً، فماذا يفعلون بقول هذا المؤلف وهو إمام من أئمة المذهب، أو عالم من علماء المذهب، وقد حشر التلفظ بالنية تحت عنوان: سنن الصلاة؟ يضطرون أن يسلكوا طريق التأويل.
وذلك بلا شك ألطف من التخطئة الصحيحة المكشوفة من حيث تأدب بعضهم مع بعض، وإن كنا نحن نرى أن هذا وإن كان جميلاً من ناحية لكنه ليس جميلاً من ناحية أخرى، ألا وهو الصدع بالحق؛ لأن بعضهم يقول في تفسير قوله: "سُنة" يعني: سنة المشايخ، هذا التأويل في فهمي أنا للموضوع مثل المثل العامي الذي يقول: (كنا تحت المطر وصرنا تحت المزراب) .
يعني: كنا في خطأ نسبة هذا الأمر إلى الرسول عليه السلام؛ أن من السنة التلفظ بالنية، هذا خطأ لكنه خطأ جزئي، لكن هذا التأويل الذي هو أشبه بالترقيع فتح لنا باباً كبيراً جداً، وهو أن هناك سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك سنة المشايخ.
وهل المشايخ كذلك يسننون للناس؟ هذا لا يجوز، وهذا من شؤم التأويل وعدم المصارحة بالحق، وكان بالإمكان أن يقول -هذا الشارح أو ذاك المحشي-: "لم يثبت" كما يقول ابن القيم في زاد المعاد وغيره: لم يثبت عن الرسول عليه السلام ولا عن السلف ولا عن الأئمة الأربعة أن التلفظ بالنية سنة.
وانتهت المشكلة، ومن ذا الذي لا يخطئ -أبى الله أن يتم إلا كتابه- ولذلك التلفظ بالنية في كل الطاعات والعبادات من البدع الدخيلة في الدين، فإذا قمت تصلي فلا تقل: نويت أن أصلي لله تعالى أربع ركعات، أو ثلاث ركعات (مقتدياً، منفرداً، إماماً) هذا كله من لغو الكلام، لا سيما وأنت تباشر به رب العالمين، وتقف بين يديه فتعبر له عن نيتك وهو يعلم السر وأخفى، وإنما يجب أن تفتتح عبادتك وصلاتك بـ (الله أكبر) وقد جاء في صحيح مسلم من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستفتح صلاته بالتكبير) ونحن بهذا نستفتح صلاتنا بالبدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) .
وبهذه المناسبة أريد أن أذكر: لقد قرأت آنفاً في كتاب لبعض إخواننا يقول في بعض البدع: إن أقل ما يقال في هذه البدعة أنها خلاف الأولى.
وأنا الآن لا أستحضر هذه البدعة، وأنا لا أرى لإخواننا السلفيين أن يتهاونوا في التعبير عن أية بدعة مهما كانت في الظاهر أنها سهلة وأنها لا خطورة فيها، لا أرى أن يقولوا فيها: إنه خلاف الأولى؛ لأن الرسول يقول: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) .
وهذا تعميم لم يدخله تخصيص، صحيح أن الضلالات ليست بنسبة واحدة لكن أقل واحدة منها هي ضلالة، والضلالة لا يقال أنها خلاف الأولى، لذلك هذا التلفظ بالنية الذي نفتتح به الصلاة إنما نفتتح الصلاة بضلالة، بينما كان الواجب علينا أن نفتتح الصلاة بتكبير الله عز وجل.
كذلك الصيام الذي نحن بصدده الآن، وأنه يجب تبييت النية في الفرض في رمضان، ليس معنى تبييت النية أن يقول القائل بلفظه وبقلبه: نويت أن أصوم غداً لله تعالى، لا.
قل في قلبك فقط، استحضر نفسك أنك صائم، واستحضر أنك غداً عازم على الصيام، هذه هي النية.
كذلك في الوضوء لا يقول القائل: نويت رفع الحدث الأصغر، وفي الجنابة: نويت رفع الحدث الأكبر، هذا كله كلام هراء، لمن تقول هذا الكلام؟ لنفسك؟ فأنت تعرف ما في نفسك.
لربك؟ هو أعرف منك بنفسك إذاً اتباعاً لنبيك؟ نبيك لم يكن على شيء من هذا إطلاقاً، فكان التلفظ بالنية في كل مجالات العبادات أمر ما أنزل الله به من سلطان.
وكذا في الحج أيضاً -وهذا قد يخفى على بعض من الناس- في الحج يذكر في كتب المناسك: نويت الحج والعمرة لله؛ فهذا من هذا الباب لا يصح أن يقول نويت إطلاقاً، وإنما تلبي: لبيك اللهم بعمرة، لبيك اللهم بحجةٍ وعمرة، على حسب نيتك أما أن تقول: نويت؛ فهذا كلام لغو، إنما تقول: لبيك اللهم بعمرة، لبيك اللهم بحجة وعمرة، حسبما عزمت عليه من الحج أو العمرة.
إذاً: هذا الحديث الصحيح فيه دلالة على فرضية تبييت النية في الصيام، ولكن هذا الحديث مخصص لصيام رمضان والفرض كالنذر مثلاً، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها الذي أشرنا إليه آنفاً، وهو أول درسنا الآتي إن شاء الله تعالى، وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.