إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يبدو أنه لا بد من التفكير ما بين آونة وأخرى في بعض السنن والآداب الإسلامية التي أصبحت مجهولة علماً، ومتروكةً عملاً، فقد كنا ذكرنا في أكثر من مرة في مثل هذه الجلسة أن لمجالس العلم آداباً.
ومن ذلك: أنه لا يصح التفرق في مجالس العلم، أن نجلس هكذا كيف ما اتفق، أو كيف ما راق لأحدنا، فهذا ليس من الأدب العلمي في شيء مطلقاً، هذه جلسات (المقاهي والنوادي) ، يأتي الآتي، ولا يأتي إلى تلك المجالس إلا للترويح عن النفس -زعموا- أو للتسلية، أو نحو ذلك، فهو حرٌ يجلس أينما شاء وكيفما شاء، أما مجلس العلم فله آدابه، وقد ذكرت لكم أكثر من مرة حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه الذي يقول فيه:(أنهم كانوا إذا سافروا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ونزلوا منزلاً تفرقوا في الوديان والشعاب، فسافروا يوماً ونزلوا وادياً وتفرقوا كما كانوا يفعلون سابقاً) وهذا التفرق يوحي بالمصلحة الذاتية والشخصية، حيث كل شخص منهم يختار المكان المناسب له الذي له ظل وارف مثلاً فتفرقوا كما كانت عادتهم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم:(إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان) أي: إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان.
قال أبو ثعلبة رضي الله عنه:(فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا فيه، حتى لو جلسنا على بساطٍ لوسعنا) .
فأحق المجالس بالمحافظة على مثل هذا الأدب -أدب التجمع- هي مجالس العلم، ولا أريد أن أطيل؛ لأن الحصة التي خصصتها في هذا الدرس الذي بدأت باستئنافه بعد تركٍ له دام مدة طويلة، الوقت المحدد نصف ساعة فقط في درس الترغيب، لذلك لا أريد أن أطيل في توظيف السر والحكمة من هذا الاجتماع الذي يوحيه لنا هذا الحديث الصحيح، ولكني أجمل القول فأقول: إن الظاهر عنوان الباطن، ففي كل شيء يتفرق فيه المسلمون في ظواهرهم؛ كان لهذا التفرق تأثير سيء في باطنهم، فالظاهر مرتبط بالباطن أشد الارتباط، وعندنا أدلة كثيرة وكثيرة جداً، ولذلك سأقتصر الآن على هذه الإشارة السريعة هذا التفرق بدنياً يؤدي إلى التفرق قلبياً، هذه حقيقة شرعية، ولدينا أدلة على ذلك، وحسبنا الآن هذه الإشارة العابرة.