للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مدى صحة حديث الأعرابي]

ولكن هل هذا الحديث صحيح؟ لقد ذكر المصنف أن فيه خلافاً بين علماء الحديث، وصرح بأن بعضهم صححه وهو الحافظ ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان، لكن أتبع ذلك بأن الإمام النقّاد الحافظ أبا عبد الرحمن النسائي رجح إرساله، ومعنى هذا الكلام: أن الحديث روي عن ابن عباس من طريق عكرمة عنه، فبعض الرواة رواه هكذا موصولاً عن عكرمة عن ابن عباس أن أعرابياً إلى آخره، ورواة آخرون أرسلوه، بمعنى: أنهم لم يذكروا في إسناده ابن عباس وإنما قالوا: عن عكرمة أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وعكرمة تابعي لم يدرك عصر النبوة والرسالة، فهو حينما يقول: جاء أعرابي إلى الرسول، يكون هناك فجوة وانقطاع بينه وبين هذا الحديث الذي يحدث به، فهذا الحديث يسمى على الغالب بالحديث المرسل، ويعبر عنه أحياناً بأنه منقطع، والتعبير الأول أدق.

وبعض الرواة قالوا: عن عكرمة عن ابن عباس، فهو موصول، وبعض الرواة قالوا: عن عكرمة أن أعرابياً.

لم يذكر هؤلاء الرواة بين عكرمة وبين النبي عليه الصلاة والسلام ابن عباس تُرى ما هو الراجح من هاتين الروايتين؟ الرواية الموصولة أم الرواية المرسلة؟ رجح الإمام النسائي الرواية المرسلة، وهذا الترجيح من الحافظ النسائي هو الراجح الواقع من ناحيتين اثنتين: الناحية الأولى: لما عرف من دقة نقد الإمام النسائي للأسانيد، يقابله ما عرف من تساهل ابن خزيمة وابن حبان في التصحيح، فإذا تقابل تصحيح ابن خزيمة وابن حبان مع طعن أو إعلال مثل الإمام النسائي دون أن نعرف نحن في الحقيقة الواقعة؛ فلا شك أن النفس تطمئن إلى ما ذهب إليه النسائي أكثر مما ذهب إليه ابن خزيمة أو ابن حبان؛ لأن ابن خزيمة وابن حبان متساهلان في التصحيح، أما النسائي فإمام نقاد، فإذا رجح الحديث المرسل فيكون هو الصواب.

هذا من حيث المقابلة والمفاضلة بين الأئمة النقاد، لكن انضم إلى هذا أيضاً فيما بقي في ذهني من دراسة إسناد هذا الحديث: أن الدراسة العلمية تؤيد ما رجحه الإمام النسائي من أن هذا الحديث مرسل، وإذ كان الأمر كذلك فهل هناك تنافٍ وتنافر وتضاد بين تصحيح ابن خزيمة وابن حبان لهذا الحديث وبين إعلال النسائي له بالإرسال؟

الجواب

نعم؛ لأنه من المعلوم عند العلماء بمصطلح الحديث: أن الحديث المرسل هو قسم من أقسام الحديث الضعيف، فإذا قيل: الحديث الفلاني مرسل، فذلك يساوي عندهم (حديث ضعيف) ، ولا شك حين ذاك أن حديثاً ضعيفاً يباين قول من قال: إنه حديث صحيح، فهذا معنى قول الحافظ ابن حجر معقباً على ما نقله من تصحيح ابن خزيمة وابن حبان للحديث بقوله: ورجح النسائي إرساله.

يعني: أن الراجح أن الحديث ضعيف وعلته الإرسال.