[كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذه الرسالة]
وبهذه المناسبة أقول: هذه الرسالة على صغرها، انظروا ما فيها من أحاديث غير ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، مع بعض التعابير التي لا تناسب الشريعة، من جانب ما كنا تكلمنا عليه أكثر من مرة: أن الإنسان خليفة الله في الأرض، وهو يقول هنا: وإذا آمن العبد بربه، واعترف بعظمته وكبريائه، وأقام الصلاة.
إلخ، ويدرك مغزى كونه خليفة الله في الأرض.
هذه واحدة، وهذه كلمات سريعة.
ثم جاء بحديث: (من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة) هذه القطعة في الصحيح بلا شك، لكن ما بعدها قال: (قلنا: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله) يقول في التخريج: رواه الطبراني.
وصحيح رواه الطبراني، لكن ما فائدة هذا التخريج إذا كان الطبراني رواه بإسناد ضعيف؛ لذلك أنا أقول كلمة ربما لا تعجب الكثيرين لكنها الحق والحق أقول: إن تخريج الأحاديث على هذه الطريقة المذكورة: رواه الطبراني، رواه أبو داود، رواه أحمد، هذا أبعد ما يكون عن النصح للقراء، لاسيما وأن جماهير القراء اليوم لبعدهم عن الدروس بصورة عامة، ولبُعدهم عن الدروس الحديثية بصورة خاصة، بمجرد أن يسمع: رواه فلان، قال: هذا حديث مثبت.
هذا في تعبير العامة: حديث مثبت رواه فلان، مسكين لا يعرف أن (رواه فلان) هي ترجمة هذا التخريج، أي: هذا -فلان- ساق إسناده منه إلى الرسول عليه السلام بهذا الحديث، ولا ندري هل هذا الإسناد صحيح أو غير صحيح؟ هذا معنى رواه الطبراني، والناس لا يفهمون هذا الفهم كما هو الواقع، وإنما يفهمون رواه الطبراني: أنه حديث مثبت وانتهى الأمر؛ لذلك لابد عند طبع التخريج للقراء ألا تأتي بمجرد العزو للحديث إلى مخرجه، وإنما لابد أن تأتي به مقروناً ببيان مرتبته، وإلا فهذا التخريج أقرب إلى الغش للقراء منه إلى النصح.
وهذا مثال على ذلك.
مثال آخر: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله! كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله) رواه أحمد.
وهم سيقولون: إنه حديث مثبت؛ لأنه رواه أحمد، لكنه حديث ضعيف، وأحمد رواه في المسند بسند ضعيف، ولذلك أنا كنت قد خرجته في سلسلة الأحاديث الضعيفة تحت رقم (٩٠٠) .
ومن هذا القبيل حديث عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله) رواه أحمد وهو -أيضاً- حديث ضعيف، وهذا الكتاب فيه أحاديث صحيحة كثيرة، لكن أنا يهمني بيان الأحاديث الضعيفة، أولاً: لما يتعلق بهذه الرسالة، ثانياً: لإفادة الآخرين.
ثم قال: عن الحسن مرسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام فبينه وبين النبيين درجة واحدة في الجنة) وهذا بطبيعة الحال لو كان إسناده للحسن وهو البصري صحيحاً لكان ضعيفاً؛ لأن الحسن تابعي لم يكن له واسطة بينه وبين الرسول عليه السلام، ولذلك علماء الحديث يقولون: مراسيل الحسن البصري كالريح، أي: لا قيمة لها.
ومثل قوله عن واثلة بن الأسقع قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من طلب العلم وأدركه كان له كفلان من الأجر، فمن لم يدركه كان له كفل من الأجر) وهذا الحديث مع كونه ضعيف السند، فالقسمة فيه -باعتقادي- قسمة ضيزى، هل الذي يطلب العلم يحصل له كفلان، والذي لا يطلب العلم يحصل كفل واحد؟ ولا أظن أن هناك عدالة في الموضوع.
فيما قال في المبدأ الرابع عند إقرار مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكرم شابٌ شيخاً من أجل سنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه) هذا حديث جميل، لكنه حديث منكر من حديث ابن وائل غير صحيح، وهو أيضاً في كتابي الأحاديث الضعيفة.
أما الحديث الذي بعده على سبيل المثال من الأحاديث الثابتة: (إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام السلطان المقسط) هذا حديث صحيح.
ثم قال: عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من ضاد مؤمناً أو مكر به) لكن لأول مرة يقول المؤلف: رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب، لكن تُرى هل يفهم القارئ أن معنى (غريب) : أي: ضعيف؟ الله أعلم.
فهذه الكلمة الموجزة عن هذه الرسالة أحتاج أن أتكلم حولها؛ لأنه كثيراً ما نسأل عن الجماعة، وقد وقفنا على هذه الرسالة فعرفنا من مصدر موثوق فيه شيئاً مما يتعلق بها، ومن قبل ذلك كنا نسمع بعض الأشياء نحن على علم بها، وبعض الأشياء نتوقف؛ لأننا ما سمعناها إلا من بعض المصادر، من ذلك مثلاً: أنهم إذا جلسوا على الطعام بدءوا بالملح، ونحن نعرف السر في هذا البدء؛ لأن هناك حديثاً موضوعاً: (إن البدء بالملح في الطعام يدفع عن صاحبه سبعين داءً) ، فمثل هذا الحديث الموضوع جعلوه منهجاً لهم، ولنا صديق دكتور كان قد خالطهم في الكويت مدة طويلة، فقال لهم: يا جماعة! أنتم تحفزون الناس.
فعلاً: الكلام العام عندهم: اتباع الرسول عليه السلام كما سمعتم هنا، لكن من حيث الواقع هناك أشياء فعلها الرسول لا يأتون بها، وأشياء لم ترد عن الرسول عليه السلام ويأتون بها، من باب الاستحسان في الدين، كما رأيتم في الخروج أربعين يوماً، أو من باب العمل بالحديث الضعيف، كما يقول اليوم جماهير الناس: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ثم هم لا يفرقون لسبب عدم دراستهم لعلم الحديث بين الحديث الضعيف والحديث الموضوع، أي حديث وجدوه في أي كتاب عملوا به، إن كان صحيحاً ففيه خير، وإن كان ضعيفاً فالحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، لكنه قد يكون موضوعاً ولا علم لهم به، وهذا مثال البدء بالملح بين يدي الطعام، إذا كان معهم حلوى فلا بد أن يتملحوا قبلها؛ لأنه هكذا جاء الحديث، والحديث موضوع لا يجوز العمل به اتفاقاً.