للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قول الإمام المسافر عند خروجه من الصلاة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر]

السؤال

ما حكم قول الإمام المسافر عند خروجه من الصلاة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر؟

الجواب

هذه الكلمة صحت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخرجها الإمام مالك في موطئه، ورويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف من قبل حفظه، ولكن صدع عمر بن الخطاب بهذه الكلمة في المسجد الحرام وهو يؤم جمعاً غفيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن كبار التابعين، ولا أحد ينكر عليه، فمثل هذا القول يكون حجة عند جماهير الأئمة إذا لم يخالف السنة.

والواقع أنه ليس لدينا سنة تعارض قول عمر بن الخطاب، بل هناك حديث تأيد معناه بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لذلك فتبني هذا القول بالنسبة للإمام المسافر إنما هو اهتداء واقتداء بـ السلف الصالح الذين أقروا هذا القول، واللازم من ذلك أنهم تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا معارض له.

هذا من جانب.

ومن جانب آخر: ليس في شيء من الأحاديث، ولا في شيء من الآثار السلفية التي وقفت عليها أن الإمام المسافر كان يرفع صوته بالسلام قبل تلك الكلمة، ومن المعلوم أن السلام ركن من أركان الصلاة على أصح أقوال العلماء؛ لحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) .

فإذاً: لا بد للخروج من الصلاة أن يسلم الإمام، لكن البحث الآن: هل يسلم هذا الإمام المسافر جهراً أم سراً؟ لو وجدنا نصاً في أن الرسول عليه السلام، أو أحد الصحابة الكرام كان يجهر بالسلام؛ لوجب أن نتبناه، كما فعلنا بقول عمر: أتموا صلاتكم.

إلخ، لكن في حدود ما اطلعت وعلمت لم أجد شيئاً من هذا، وعلى ذلك فنجمع بين وجوب التسليم فنسلم سراً، ونقول جهراً: أتموا صلاتكم؛ لتنبيه الناس إلى وجوب إتمامهم للصلاة؛ لأنهم مقيمون.

هذا من حيث الفقه والرواية، لكن من حيث النظر والاعتبار أقول، والتجربة أكبر شاهد: إن الإمام المسافر الذي قصر إذا رفع صوته بالسلام عرض الذين خلفه للتسليم معه؛ ذلك أن العادة غالبة متحكمة ومسيطرة على الناس، إلا من شاء الله وقليل ما هم، فالمقتدي لا يكاد يسمع قول الإمام: السلام عليكم ورحمة الله، إلا نسي حاله ونسي أن الإمام مسافر وأن عليه القصر وهو مقتدي وعليه التمام، فما يكاد يسمع سلام الإمام إلا ويتابعه بالسلام، فيخرج من الصلاة، فكأنه من الحكمة حين نُقِل إلينا جهر عمر بقوله: أتموا صلاتكم، ولم ينقل أنه جهر بالسلام كأن الحكمة أن يسد الطريق على المبتدعين أن يقعوا في مثل هذا الخطأ، وهو أن يسلموا مع الإمام، ولا يجوز لهم السلام مع الإمام؛ لأن عليهم تمام الصلاة، هكذا أنا فهمت المسألة مما وقفت عليه من الأدلة.

وعلى سبيل التذكير، ومن جهة بيان شدة تأثر الناس بالعادات، ومن باب التسلية في أثناء البحث العلمي، أورد لكم القصة الطريفة الآتية: كنت منذ نحو عشرين سنة أو أكثر في قرية تعتبر من مصايف سوريا، تسمى بـ مضايا، نزلت إلى المسجد لصلاة الفجر فلم يحضر إمام المسجد، وكان يوم جمعة، فقدموني لأصلي بهم إماماً، وأنا أعرف أن من السنة أن يقرأ الإمام في صبح الجمعة سورة السجدة في الركعة الأولى، وسورة الدهر في الركعة الأخرى، لكني لا أُتقن حفظ السورتين؛ لذلك رأيت أن أقرأ من سورة أخرى أحفظها، وكان ذلك من سورة مريم، فقرأت نحو صفحة أو أكثر قليلاً، فلما كبرت تكبيرة الركوع وركعت إذا بالناس جميعاً يهوون ساجدين، فالذين خلفي أحسوا بأني لست ساجداً وإنما أنا راكع، فتداركوا أمرهم وقاموا وشاركوني في الركوع، أما الذين وراء المنبر ولا يرون الإمام -ومن البدع الموجودة في بلادنا وفي بلادكم -أيضاً- هذا المنبر الطويل الذي يقطع الصف الأول والثاني- ما زالوا ساجدين إلى أن سمعوا قولي: سمع الله لمن حمده، حين ذاك بدأت الضوضاء والغوغاء في صفهم، وما أدري ماذا تكلموا، ولا شك أنهم نالوا من عرضي.

بعد أن أتممت الصلاة توجهت إليهم أعظهم فقلت لهم: يا جماعة! هل أنتم عجم أو عرب؟ والله لو أن هذه القصة وقعت من الأعاجم الذين لا يعرفون كلمة من اللغة العربية لكان عاراً عليهم، ألا تفرقون بين قول الإمام: (الم) وبين قوله: (كهيعص) ؟ أم أن قلوبكم وعقولكم وراء البقر والزرع والضرع؟ الشاهد: كيف أن العادات تؤثر في الناس، وتجعلهم يغفلون ما يسمعون من القرآن، كذلك إذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله سلموا معه، فأنا وجدت أنه من الحكمة أنه لم ينقل إلينا لا عن الرسول عليه السلام، ولا عن الصحابة جهرهم بالسلام حينما يصلون بالناس، لكنه نقل إلينا عن عمر بن الخطاب جهره بقوله: [أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر] .