[تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام]
فحقٌ على كل أحدٍ بَذْلُ جُهْدِه واستطاعتِه، في معرفة ما جاء به وطاعتِه؛ إذْ هذا طريق النجاة من العذاب الأليم، والسعادة في دار النعيم، والطريق إلى ذلك الرواية والنقل، إذْ لا يكفي من ذلك مجرد العقل، بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نورٍ قُدَّامه، فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة.
فلهذا كان تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام، وكان معرفة ما أمر الله به رسولَه واجباً على جميع الأنام، والله سبحانه بعث محمداً بالكتاب والسنة، وبهما أتَمَّ على أمته المنة، قال تعالى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:١٥٠-١٥٢] .
وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:١٦٤] .
وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة:٢٣١] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢] .
وقال تعالى عن الخليل: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة:١٢٩] .
وقال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤] .
وقد قال غير واحدٍ من العلماء، منهم: يحيى بن أبي كثير، وقتادة، والشافعي، وغيرهم: الحكمة هي السنة - {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:١٢٩] ، الحكمة هي السنة، لأن الله أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يُتْلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة، والكتاب: القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول يتلوه هو السنة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عدة أوجه من حديث أبي رافع، وأبي ثعلبة، وغيرهما أنه قال: (لا أُلفيَنَّ أحدَكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم القرآن، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه! ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) وفي رواية: (ألا وإنه مثل الكتاب) .