للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التدخين]

السؤال

هل الدخان محرم وما الدليل من الكتاب والسنة؟

الجواب

لا شك في تحريم الدخان، وهو حرام لأسباب كثيرة: أولاً: أن المدخن يضر بنفسه، وهذا الضرر في النفس له صورتان: ضرر في بدنه، وضرر في ماله، ثم الضرر الذي في بدنه يتعدى إلى غيره؛ فيصير التحريم يعلو ويتضاعف.

والمعصية إما أن يأتي بها العاصي سراً، وإما أن يأتي بها جهراً أمام الناس، فإذا أتى بها سراً فهو عاصٍ لله مرة، وإذا أتى بها جهراً فهو عاصٍ لله مرتين، والسبب في ذلك أن عدوى معصيته تنتقل إلى غيره فيتضرر الغير بمعصيته في نفسه.

ثانياً: كذلك الدخان الذي يشربه الإنسان لا يكتفي بأنه يضر نفسه وماله بل يتعدى في ضرره إلى غيره، وهذا الذي يسمى في لغة العرب: الإضرار ما يتعلق بنفسه الضرر وما يتعلق بغيره الإضرار، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار) فلا يجوز للمسلم أن يضر بنفسه فضلاً عن أن يضر بغيره.

فشارب الدخان جمع الخبيثتين: خبيثة الإضرار بنفسه على التفصيل السابق مادياً وبدنياً، وخبيثة الإضرار بالغير، لا أعني هنا بالإضرار بالغير كالذي يعلن شرب الدخان أمام الناس، هذا واضح، لكنه بهذا الدخان الذي يبثه في الجو الصافي النقي يضر الآخرين، ومعلوم الآن من الأخبار والمجلات الطبية، أن سبب إضرار الدخان في بدن متعاطيه إنما يعود إلى المادة الكمينة فيه وهي التي يسمونها بالنيكوتين، يقولون: هذا الدخان الذي ينفثه شارب الدخان وفيه مادة النيكوتين، فهؤلاء الأبرياء الذين طهرهم الله من شرب الدخان، مكرهون من هذا الشارب أن يشموا وأن يبلعوا رغم أنوفهم شيئاً من مادة النيكوتين هذه.

إذاً: هو جمع المصيبتين في الحديث: الضرر بنفسه والإضرار بغيره، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من رأفته ورحمته بأمته أنه جاءهم بكل شيء، وحذرهم من كل شر، حتى وصل به الأمر إلى أن ينهى المسلم أن يتعاطى الطعام الحلال الذي فيه رائحة كريهة، إذا ما كان من الواجب عليه أن يحضر مجلساً فيشم الجالسون منه تلك الرائحة الكريهة، فنهاه عن هذا الطعام الحلال؛ لكي لا يؤذي غيره برائحة الطعام الحلال، وقد عرفتم أن الطعام هو الثوم والبصل، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) ، إذاً كأن الرسول عليه السلام يقول: أيها المسلم المصلي! لا تأكلن طعاماً فيه ثوم أو بصل وتحضر المسجد، كل الطعام الذي فيه الثوم والبصل قبل أن تحضر المسجد؛ أما إذا أكلت هذا الطعام قبيل حضورك المسجد فنحن في غنى عن حضورك المسجد، مع أن حضور المسجد فرض عليه كالصلاة نفسها، ولم يقتصر عليه الصلاة والسلام على هذا التوجيه: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا) بل طبق ذلك عملياً، حيث دخل ذات يوم المسجد النبوي فشم من أحدهم رائحة الثوم فأمر بإخراجه من المسجد، وإلى أين؟ إلى البقيع -إلى المقابر- لأنه يشير بهذا التنفيذ العملي، أن المسلم الذي يحضر مساجد المسلمين وهو يحمل في فمه رائحة كريهة يؤذي المصلين، هذا لا يليق بأن يعيش مع المصلين، بل ولا مع الأحياء الذين خارج المسجد، بل عليه أن يعيش مع الأموات في المقابر.

تُرى لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصرنا هذا، ودخل المسجد، وشم رائحة الدخان من إنسان يصلي بجانبه أو من خلفه، كان سيخرجه إلى المريخ وليس إلى المقابر، لماذا؟ لأنه يضر المسلمين، لكن الطعام ماذا فيه؟ فيه منفعة، الأطباء اليوم يذكرون منافع البصل والثوم أشياء عجيبة غريبة جداً، وعلى العكس من ذلك؛ فهم يذكرون الآن من أضرار الدخان المرض الخبيث السرطان.

فإذا كانت رائحة الطعام النافع بسبب رائحة كريهة في المسجد أخرجه إلى البقيع، فإذا شم رائحة شارب الدخان الذي يضر نفسه ويضر زوجه وأولاده، ومن عجبه أن ترى بعض الآباء يدمنون شرب الدخان، فإذا رأى ابنه يشرب الدخان ينهره، حُق له أن ينهره وما حق له أن ينهره، لماذا؟ لأنه هو قدوة سيئة له.

{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١١] لماذا هو لا ينتهي؟ لأنه نشأ على هذا الداء الوبيل.

ولذلك فلا شك ولا ريب شرعاً بأن الدخان حرام، ربما يكون تحريمه من حيث آثاره السيئة أشد من الخمر التي جاء تحريمها بنص القرآن الكريم، والمحرمات في الشرع ليس من الضروري أن تكون كلها بنصوص يشترك في فهمها كل مسلم، الآن لو ضربنا مثلاً هذه المخدرات التي انتشرت في بلاد الكفر والضلال، كـ أوروبا وأمريكا إلخ، وهم يجهزون جيوشاً من أنواع مختلفة لمقاومة انتشار هذا الفساد، ولا يكادون يقضون عليه، لا يوجد عندنا نص في القرآن يتحدث عن الحشيش المخدر، لكن هل هو حلال أم حرام؟ حرام من حيث: (لا ضرر ولا ضرار) .

إذاًَ أخذت الجواب إن شاء الله.