يقول الله عز وجل:((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)) [الإسراء:٤٤] ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (يستغفر له -الجريدة- ما لم ييبسا) ، عندما وضع الجريدة على القبرين.
كيف نوفق بين قوله تعالى والحديث؟
الجواب
السائل أخطأ مرتين: المرة الأولى حينما لم يسق لفظ الآية على صوابه، والمرة الأخرى حينما أدخل في الحديث ما ليس فيه، حيث ذكر السائل قوله: يستغفر أو يستغفران، أي: الجريدة، فبالتالي أشكل على السائل الحديث مع الآية، لكنه ليس في الحديث إطلاقاً أنه يستغفر أو يسبح حتى نتوهم التعارض بين الآية وبين الحديث، ولكن فيما يبدو لي أنه قام في ذهن السائل المعنى السائد في أذهان عامة الناس، والقصة الصحيحة المروية في صحيحي البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجريدة من نخيل فشقها شقين، ووضع كل شق على قبر، فقالوا: لماذا يا رسول الله؟ قال: لعل الله أن يخفف عنهما العذاب ما دام الغصنان رطبين) ، فليس في الحديث التسبيح أو عدمه حتى يتعارض مع الآية، ولكن الناس قام في أذهانهم أن سبب تخفيف العذاب عن القبرين إنما هو تسبيح الغصنين ما داما رطبين، فأشكل هذا المعنى الذي هو سائد في أذهان الناس وليس صحيحاً، أشكل على السائل؛ لأن الحديث قيد التخفيف بما دام الغصنان رطبين، فمفهومه أنهما إذا يبسا لم يعودا يسبحان الله، والله تعالى يقول:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء:٤٤] من هنا جاء الإشكال على السائل، لكن الحقيقة أن الحديث لا يعني مطلقاً أن الغصن يسبح، ليس في الحديث ذكر التسبيح، لا تصريحاً ولا تلميحاً، وبعض الناس توهم أن سبب تخفيف العذاب عن المقبورين إنما هو الرطوبة القائمة في الغصنين، فإذا ذهبت ذهب تخفيف العذاب عنهما، فلا إشكال إذاً، فالآية على إطلاقها:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء:٤٤] سواء كان حجراً أو كان شجراً، وسواء كان هذا الشجر رطباً أو كان يابساً، فالآية على إطلاقها، فهنا يرد السؤال: ما السر في تخفيف العذاب عن الرجلين المقبورين؟ وما السر في قوله عليه السلام:(ما لم ييبسا) ؟ الجواب: جاء في حديث آخر، وهذا الحديث الذي سقناه آنفاً هو من حديث ابن عباس في صحيحي البخاري ومسلم، فجاء الحديث في صحيح مسلم وحده من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الحادثة أو فيما يشبهها لما أمر بوضع الغصن، وسئل عن السبب قال:(إن الله تبارك وتعالى قبل شفاعتي في أن يخفف عنهما العذاب ما دام الغصن رطباً) فإذاً: سبب تخفيف العذاب هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاؤه للمقبور، والرطوبة ليست سبباً لتخفيف العذاب، وإنما علامة لمدة تخفيف العذاب، هذا معنى الحديث تخفيف العذاب سببه شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاؤه للمقبور، والرطوبة القائمة في الغصن هي علامة ما بقيت على تخفيف العذاب، فإذا ما ذهبت هذه الرطوبة وأصبح الغصن يابساً عاد العذاب إلى المقبور.
هذا هو السر والسبب في تخفيف العذاب عن الميت في هذا الحديث، وليس السر هو أن الغصن ما دام رطباً يسبح الله وما دام يابساً لا يسبح الله، حين ذاك يتعارض هذا مع الآية، فليس في الحديث شيء من ذلك مطلقاً، فالآية على عمومها وعلى إطلاقها، كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[الإسراء:٤٤] .