يأتي صاحب كتاب فقه السنة بأحاديث جواز كشف الفخذ، وأحاديث حرمة ذلك.
فما الصواب فيها؟
الجواب
أحاديث الكشف التي يشير إليها السائل هي أحاديث فعلية، أي: انكشف فخذ الرسول عليه الصلاة والسلام بمناسبة أو أكثر من مناسبة، أما الأحاديث التي تعتبر الفخذ عورة فهي أحاديث قولية، أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام تلفظ فقال -مثلاً-: (الفخذ عورة) فما كان من قوله عليه السلام موجهاً إلى أمته فهو تشريع عام لهم، وما كان من فعله عليه الصلاة والسلام مخالفاً لقوله، لا أقول مطلقاً، وإنما ما كان من فعله عليه الصلاة والسلام مخالفاً لقوله فهناك احتمال من ستة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون فعله قبل قوله، قوله هنا:(الفخذ عورة) تشريع أن الفخذ عورة فيحرم كشفه، متى كان هذا التشريع؟ قطعاً لم يكن يوم أن قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ}[المدثر:١-٢] ؛ لأنه في هذا الوقت إنما أمر بتبليغ الأمة دعوة التوحيد قبل أي شيء آخر قبل تشريع أحكام الحلال والحرام قبل الحض على مكارم الأخلاق والنهي عن مساويها قبل أي تشريع، إنما هو {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[المدثر:٣] فلم يكن مثل هذا القول: (الفخذ عورة) في أول الإسلام، وإنما كان بعد ذلك.
إذاًَ: نستطيع أن نتصور المسلمين وعلى رأسهم سيدهم، بل سيد الناس أجمعين محمد صلى الله عليه وآله سلم، وهم يفعلون أفعالاً في أول الإسلام تنزهوا عنها بعد ذلك أو بعيد ذلك حسبما شرع الله عز وجل وأنزل، فيوم أُمر بتبليغ الناس التوحيد لم يكن هناك أحكام: هذا حرام وهذا حلال الفخذ كشفه حرام شرب الخمر حرام لبس الحرير حرام، لم تكن هذه الأحكام في أول الإسلام، فإذاً من الممكن حينما روى الصحابي الثقة أن الرسول كشف عن فخذه، قد يمكن أن يكون ذلك قبل أن ينزل عليه هذا الحكم الذي بلغه إلى الناس بقوله:(الفخذ عورة) هذا هو الاحتمال الأول.
الاحتمال الثاني: أنه يمكن أن يكون ذلك بعد النهي، أي: بعد قوله: (الفخذ عورة) ولكن يكون هذا خصوصية له عليه الصلاة والسلام، لا يشاركه في ذلك غيره من الناس جميعاً؛ لأن هؤلاء الناس قد خوطبوا بذلك الحكم الشامل لجميعهم:(الفخذ عورة) وفي حديث آخر أنه مر برجل وقد انكشف فخذه فقال له: (خَمِّر، أو غط فخذك فإن الفخذ عورة) .
وهناك أمر ثالث: لكن أستدرك الآن على نفسي وأقول: إنه لا ينطبق على مثل هذا الأمر؛ لأنه قد يمكن أن يقال، إذا كان هناك نهي أن النهي للتنزيه، هكذا يجمع أحياناً، فهنا لا مناص من أن يقال: إما أن كشف الرسول عليه الصلاة والسلام لفخذه كان قبل قوله: (الفخذ عورة) وإما أن يكون ذلك خصوصية له لا يشاركه فيها غيره.
وذلك مثل تزوجه بأكثر من أربع من النساء، مع أنه قد قال لمن كان عنده أكثر من ذلك من النساء:(أمسك منهن أربعاً وطلق سائرهن) فهذا حكم عام للأمة، أما تزوجه بأكثر من أربع فهو حكم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أيضاً حديث:(الفخذ عورة) من المناهي التشريعية مقدم على حديث كشف الرسول عليه السلام لفخذه، لما سبق بيانه.