للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القوانين الوضعية تنافي إفراد الله عز وجل بالتشريع]

وغرضي من هذه الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالتحذير من الشرك بالله عز وجل، ألا نصب حماسنا حينما نتكلم حول الحاكمية لله عز وجل وحده في محاربة القوانين الغربية فقط؛ لأن هذا الأمر واضح حتى لعامة الناس؛ وهو أن أي قانون غربي يأتينا من بلاد الكفر والضلال فهو ضلال، ولكن يجب أن نتوجه بحماسنا إلى قوانين أصبحت جزءاً من حياتنا، وليس لها صلة بكتاب ربنا ولا بحديث نبينا، ونحن خاضعون لها! لماذا؟ لأننا نعلم أنها لم تأت من أوروبا مثلاً، إنما هي نبعت من أرضنا، فهل هذا عذر لنا لكي نتبعها من دون شرع الله عز وجل؟

الجواب

لا؛ لأن تلك الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] إنما نزلت في النصارى الذين يتبعون قسيسيهم ورهبانهم، ولم تنزل هذه الآية في النصارى الذين اتخذوا قانوناً جاءهم من غير بلادهم، فلا يهم إذاً أن القانون المخالف لشرع الله عز وجل نابع من أرضنا، أو وارد من بلاد أعدائنا، فكلاهما مخالف لشرع الله عز وجل، ولا يجوز لمسلم أن يخضع لمثل هذا النظام؛ سواء كان شرقياً أو غربياً.

وأنا أقول: سواءً كان شرقياً، أو غربياً، أو أرضياً، أي: من أرضنا، فكون الحكم صادر من أرضنا؛ فلا يشفع له أن يكون شريعة لنا إذا ما علمنا أنه مخالف لشريعة ربنا تبارك وتعالى، وهذه نقطة حساسة ومهمة جداً؛ لأننا جربنا كثيراً من الخطباء الذين يتحمسون للبحث في الحاكمية لله عز وجل، وهذا أمر هام وهام جداً؛ لأنه يتعلق -كما سمعتم- بالتوحيد، ولكن هذه الحاكمية لله عز وجل لم تصبح واضحة المعالم في نفوس كثير من الدعاة، فالذي يتحمس لمحاربة القوانين الأرضية الغربية، لا يتحمس لمحاربة القوانين المخالفة لشريعة الإسلام؛ لأنها من عندنا، وأي فرق بين هذا وهذا؟! لذلك جربنا بعض الخطباء، فهو بعد أن ألقى خطبة هامة جداً في موضوع توحيد الحاكمية لله عز وجل وإفراده في ذلك، فحينما ذُكِّر ببعض المخالفات للكتاب والسنة، وإذا به في النتيجة يكفر بكل تلك الخطبة التي ألقاها بذلك الحماس البالغ، فيقول: والله مذهبنا كذا، وهذا الذي فعلته هو مذهبي فأين موقع الكتاب والسنة إذاً؟! فإذاً: نحن نتمسك بالكتاب والسنة لمحاربة الحاكمية التي تأتينا من بلاد الكفار منافية لحكم الله عز وجل، أما إذا نبعت من أرضنا فلا بأس بها؛ بل نحن نتشبث بها لأنها خرجت من أرض إسلامية أو من رجل مسلم.

إذاً: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] معناها: أنه إذا خرج هذا التحريم والتحليل من عندنا فيتبع، أما إذا جاء من الخارج فلا يتبع، فهذا تفريق شكلي صوري لا قيمة له في الإسلام أبداً، لذلك أنبّه وأكرر بأننا يجب أن نفهم أن كون الحاكمية لله عز وجل ينافي أي تشريع منافٍ للإسلام، سواء كان أرضياً أو شرقياً أو غربياً.

فيجب أن نخلص في عبادتنا لله عز وجل، فلا نعبد إلا الله، ولا نعبد الله إلا بما شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتان الكلمتان: لا نعبد إلا الله، ولا نعبد الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو خلاصة قول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأنت توحد الله عز وجل في عبادتك؛ فتحقق معنى لا إله إلا الله، ثم تعبد الله بما جاء به نبيك؛ فتحقق قولك: وأشهد أن محمداً رسول الله، فإذا اتبعت غيره فلن تخلص في الاتباع لنبيك صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا تكون أخلصت لله عز وجل في عبادته.

هذا مما يتعلق بشرح الكبيرة الأولى التي حذر الرسول عليه الصلاة والسلام أمته منها بقوله: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله عز وجل) .