والإنسان - كما قلت - يجب أن يكون واعياًَ عند دراسة الخلاف، فعرفت الآن أن مذاهب الأئمة الأربعة وهي مذاهب الناس اليوم في الأقطار الإسلامية يرون جواز الخروج فلا تثريب على من أفتاهم ولا على من خرج بعد منتصف الليل لأنه أخذ بفتوى الجمهور, بل إن المالكية يرون أنه لو وصل ووقف بالسيارة لمدة عشر دقائق ونزل الرحل وأصلح له شيئاً يسيراً مما يطعم أو يشرب ثم ركب وخرج فلا حرج عليه عند الإمام مالك، فالمسألة فيها سعة. وكون الطالب يعرف الراجح شيء وكونه يعرف الخلاف بين أهل العلم ومذاهب الناس مما يعذر به من يفتي به أو من يطبقه من العوام.
- ثم قال - رحمه الله -:
فإذا صلى الصبح.
فيه دليل على مشروعية صلاة الصبح في مزدلفة والسنة أن يبادر بصلاة الصبح ويصليها بغلس - والغلس: ظلمة آخر الليل -.
والدليل على هذه المبادرة:
- قول جابر - رضي الله عنه -: فلما خرج الفجر صلى صلاة الفجر. مما يدل على أنه بادر بالصلاة بعد طلوع الفجر.
إذاً: من يؤخر الصلاة فقد خالف السنة الظاهرة لا سيما في هذا اليوم.
- ثم قال - رحمه الله -:
فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام، فيرقاه أو يقف عنده.
المشعر الحرام: هو جبل صغير يسمى قزح، وهذا الجبل كما هو معلوم أزيل الآن ومكانه المسجد الموجود في مزدلفة. فالمسجد الموجود أقيم في مكان الجبل الصغير الذي يسمى المشعر الحرام.
واختلف العلماء بالمراد بالمشعر الحرام:
= فقال بعضهم: المراد بالمشعر الحرام هذا الجبل فقط. والمتبقي من مزدلفة لا يسمى مشعراً حراماً بل يسمى مزدلفة.
= والقول الثاني: أن مزدلفة كلها مشعر حرام.
والراجح والله أعلم أن المشعر الحرام هو هذا الجبل فقط وباقي المنطقة تسمى المزدلفة وليست مشعراً حراماً. فهي مزدلفة ويجوز الوقوف فيها لكن المشعر الحرام هو هذا الجبل فقط.
والدليل على ذلك:
- أن جابر - رضي الله عنه - قال: فلما صلى الفجر ركب إلى المشعر الحرام.
فكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يركب إلى المشعر الحرام دليل على أنه لم يكن في المشعر الحرام وإلا لو قلنا أن مزدلفة كلها مشعراً حراماً لكان نتيجة هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان خارج مزدلفة ثم دخل مزدلفة. وهذا كله خطأ.