والقول الثاني: أنّ من لم يجد عتق الرقبة ولم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين فإنه يطعم ستين مسكينا قياسا على الكفارات الأخرى كالظهار والوطء في نهار رمضان والراجح والله أعلم أنه ليس في خصال كفارة القتل الخطأ الإطعام لأنه لم يذكر في الآية وفي هذا شبه دلالة على أنه ليس من الخصال.
[باب القسامة]
قوله باب القسامة القسامة مصدر أقسم ومعنى أقسم أي حلف والقسامة مشروعة بالسنة فقط. فليس فيها إجماع ولم تذكر في القرآن
وأما دليلها من السنة فهو أنّ محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل خرجوا إلى يهود خيبر فلما وصلوا إلى النخيل تفرقا فجاء محيصة بن مسعود ووجد عبد الله بن سهل مقتول بين النخل فذهب عبد الرحمن بن سهل أخو عبد الله بن سهل وابنا عمه محيصة وحويصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - واتهموا يهود بأنهم قتلوه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تقسمون خمسين يمينا على رجل منهم فندفعه إليكم فقالوا يا رسول الله كيف نقسم ولم نشهد ولم نرى. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تقسم يهود لكم خمسين يمينا وليس لكم عليهم شيء فقالوا يا رسول الله قوم كفار ضلال. يعني أنهم لن يتورعوا عن القسم فواده النبي - صلى الله عليه وسلم -
من عنده من بيت المال. هذا الحديث جعله الجنابلة أصل في القسامة أما مشروعية القسامة بين الفقهاء ففيه خلاف. القول الأول هو ما سمعتم أنه مشروع وهذا دليله.
والقول الثاني: أنّ القسامة لا تشرع واستدلوا على هذا بأنّ القسامة على خلاف قواعد الشرع فإنّ قواعد الشرع تدل على أنّ البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر وفي هذه الصورة وهي القسامة جعلت اليمين على المدعي وهذا خلاف قاعدة الشرع. والراجح أنّ القسامة مشروعة بلا إشكال إن شاء الله وأنّ القاعدة أنّ اليمين في حق أقوى المتداعيين وليست دائما في حق المدعى عليه وإنما خرج الحديث مخرج الغالب لأنّ المنكر غالبا أقوى من المدعي فجعلت اليمين في الحديث عليه وقد استوفى ابن القيم الكلام عن هذه المسألة وأطال جدا وبيّن أنّ القسامة مشروعة وأنها لا تنافي أصول الشرع وأنها بالعكس من هذا تؤدي مقاصد الشرع وذكر كلاما طويلا في ترجيح هذا القول وهو مشروعية القسامة.