والقول الثاني: أنّ الحكم حكمه يرجع إلى رضا الخصمين فإن حكم ورضوا صار ملزما وإن لم يرضوا انتقلوا إلى من نصبه الإمام والراجح القول الأول لأنّ هذا حكما دل الشرع على اعتباره ومن هنا نقول ينبغي للرجل إذا حكّم أن يتجاوز هذه المسألة الخلافية وأن يشترط على الخصمين أن يقبلا بقوله وأن يوقعا على القبول بقوله. لأمرين: الأول: خروجا من هذه المسألة الخلافية حتى يصبح حكمه لازما لهما. الثاني" حتى لا يصبح هذا المجلس الذي عقد للقضاء مجلس عبث أنهم يجلسون ويحتكمون ويتناقشون ثم يصدر المحكّم حكمه ثم تجد أنّ المحكوم عليه لا يرضى فتكون المسألة عبث وضياع للوقت للخصمين والمحكم فينبغي عليه أن يراعي إلزامهما لهذين الأمرين.
ثم - قال رحمه الله - (والحدود واللعان وغيرها)
أي أنه حكمه نافذ في جميع الأشياء واستدلوا بالعمومات فإنّ النصوص الدالة على تجويز تحكيم غير الحكم المنّصب عامة ليس فيها تخصيص موضوع دون موضوع من القضايا.
والقول الثاني: أنه لا ينفذ إلاّ في الأموال لأنّ الحدود والأنكحة وغيرها أمور حساسة وفتح الباب فيها لغير القاضي الرسمي يؤدي نوعا ما إلى التلاعب والتساهل والراجح إن شاء الله أنّ له أن يحكم بالأموال والأنكحة والمقصود بالأنكحة توابع الأنكحة كالطلاق والخلع والرجعة وليس له أن يحكم في القصاص والحدود ونحوها وبهذا تجتمع إن شاء الله الأدلة.
[باب آداب القاضي]
قوله باب آداب القاضي. المقصود بآداب القاضي يعني أخلاقه التي ينبغي أن يكون عليها والخلق هو صورة النفس الداخلية لأنّ الإنسان له صورة خارجية وداخلية فالصورة الداخلية هي الأخلاق. لأنك تجد الإنسان جميل الشكل حسن الهندام ثم لا تكاد تعامله معاملة خلطة وصحبة أو معاملة مالية إلاّ وتجد عنده من سوء الخلق وعسر التعامل ما لا يخطر على بالك وهذه الآداب منها آداب واجبة ومنها آداب مستحبة وسيأتي التنبيه على كل واحد منها.
يقول - رحمه الله - (ينبغي أن يكون قويا من غير عنف ليّنا من غير ضعف)