ينبغي أن يجمع بين القوة وعدم العنف لأنه إذا كان عنيفا امتنع صاحب الحق الضعيف , وإذا كان ليّنا اجترأ المبطل القوي فعليه أن يتوازن بين هذين الخلقين ليتمكن الضعيف من أخذ حقه ويرتدع الغشيم القوي من الاعتداء سواء الاعتداء في مجلس القضاء أو الاعتداء على خصمه.
والقول الثاني: أنّ هذا واجب وليس بسنة فيجب عليه أن يتوازن بين الرفق والعنف لأنّ الإخلال بهذين الخلقين يؤدي إلى الإخلال بإيصال العدل إلى مستحقه وإيصال العدل إلى مستحقه واجب فما يخل به محرم وهذا القول وجيه جدا. للعنف يناسب ولا الضعف يناسب بل عليه أن يتوسط بينهما.
ثم - قال رحمه الله - (حليما ذا أناة وفطنة)
ذكر ثلاثة أوصاف أن يكون متأنيا حليما فطنا , فشرط الحلم سببه أنه إذا كان القاضي لا حلم عنده يستطيع أي من الخصمين استفزازه بأي كلمة صار سريع الغضب وإذا غضب أصبح لا يتمكن من تصور القضية على الوجه المطلوب فصار الحلم مهما للحكم الصحيح. ذا أناة: يعني يجب أن يكون متأنيا لأنّ الطيش والسرعة والعجلة مظنة الخطأ في كل شيء لاسيما في باب الأحكام والقضاء وهذا خلق ضروري جدا هو أهم من الحلم الاستعجال يمنع من التصور الكامل. ذا فطنة: ينبغي أن يكون القاضي ذا فطنة لئلا يتمكن الخصم من خداعه وغتره وذهب بعض الفقهاء ومنهم المرداوي إلى أنّ البليد الغبي لا يجوز أن يعيّن قاضيا لأنّ ذهاب الفطنة منه مدعاة لضياع الحقوق وتقدم معنا نظير هذا في شروط القاضي حين الكلام عن شرط العقل وأنّ بعض الفقهاء يقول ليس مجرد العقل وإنما ما هو أكثر من هذا فهذا الكلام يلتقي مع هذا الخلق من أخلاق القاضي وهو أن يكون فطنا وهذا صحيح ومن المعلوم لكل إنسان أنه إذا قيل أن يكون فطنا لا يعني هذا أن يكون من أذكى الناس ولكن يعني أن لا يوصف بالبلادة فإذا وصف بها من خلال التجربة فإنه لا يجوز أن يعيّن قاضيا.