ـ وأما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص بالرمي للسقاة والرعاة فهذا دليل للذين قالوا لا يجوز الرمي بعد غروب الشمس لأنه إذا رخص لهؤلاء بقي الذين ليس لهم عذر بلا رخصة وأنه لا يجوز أن يرموا بعد مغيب الشمس، لكن الجواب عن هذا الحديث أنه رواه الدارقطني وإسناده ضعيف فلم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في الرمي بعد مغيب الشمس للسقاة والرعاة وإلا في الحقيقة لو صح هذا الحديث لكان دليلاً قوياً للذين يرون عدم جواز الرمي بعد غروب الشمس لكن الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والأقرب والله أعلم: أنه يجوز للإنسان أن يرمي في الليل وإن احتاط ورمى في النهار فهو أولى ومتأكد لا سيما أن آخر النهار تكون الجمار شبه فارغة ولا حرج على الإنسان ولا ضيق ولا زحام في الرمي آخر اليوم في أيام التشريق.
لكن إن رمى بعد مغيب الشمس ولو بلا عذر ولو مع تمكنه من الرمي نهاراً فإن الرمي يكون أداءً وهو صحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أول الوقت ولم يبين آخره.
وأيضاً يستدل على صحة الرمي: بأن المنع منه قد يوجب ضيقاً وحرجاً على الناس والشريعة جاءت برفع الضيق والحرج.
وعلى كل حال: ما دام ليس في المسألة نص يمنع من الرمي لا إيماء ولا إشارة ولا أثر عن صحابي فالقول بأن الرمي لا يجوز فيه بعد.
ونأتي إلى باب الفوات والإحصار.
[باب الفوات والإحصار]
- قال - رحمه الله -:
باب الفوات والإحصار.
الفوات: هو ما يسبق فلا يدرك، فالفوات أخص من السبق المطلق إذ الشيء قد يسبق ويدرك، لكن الفوات لا يطلق إلا على الذي يسبق ولا يمكن أن يدرك يكون قد فات، هذا هو الفوات.
وأما الإحصار فهو الحبس والمنع من إتمام النسك في الحج والعمرة.
- قال - رحمه الله -:
من فاته الوقوف: فاته الحج.
بدأ المؤلف - رحمه الله - بالفوات ثم سيختم الباب بالإحصار: من فاته الوقوف يعني في عرفة فاته الحج، والوقوف بعرفة يفوت: بطلوع الفجر يوم العيد - يوم النحر.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحج عرفة فمن أدرك قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد تم حجه). مفهوم الحديث: أن من لم يدرك لم يتم حجه.