والصواب أن قراءة هاتين الآيتين عند الوقوف بالمشعر الحرام لا أصل له وينبغي على الإنسان أن يتحرى أن لا يقول هذا الدعاء لأن في تركه اتباعاً للسنة وقد أخذنا مراراً أن شيخ الاسلام - رحمه الله - قرر قاعدة مفيدة وهي: ((أن السنة في المتروك في العبادة أن يترك)) وفي هذا فائدة وهي أنه إذا نوى الإنسان أن يترك ما لم يفعل من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه النية في حد ذاتها سنة كأنه فعل سنة موجبة فالسنة التركية كالسنة الفعلية.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويدعو حتى يسفر.
لو قال المؤلف - رحمه الله -: حتى يسفر جداً لكان أقرب إلى لفظ الحديث. لقول جابر - رضي الله عنه - فدعا حتى أسفر جداً، والسنة أن يدعو الإنسان حتى يسفر وأن يخرج من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس.
والأقرب والله أعلم أن الخروج قبل طلوع الشمس واجب: - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس. فهذه سنة فعلية ولأنه فعل ذلك مخالفاً للمشركين الذين كانوا لا يخرجون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس ومخالفة المشركين واجبة.
فالأقرب والله أعلم وجوب الخروج إذا تمكن الإنسان وتهيأت له الأمور قبل أن تطلع الشمس.
- ثم قال - رحمه الله -:
فإذا بلغ محسراً: أسرع رمية حجر.
وادي محسر هو وادي بين مزدلفة ومنى، واختلف العلماء فيه:
= فقيل ليس منهما: لا من مزدلفة ولا من منى.
= وقيل: بل ليس من مزدلفة لكنه من منى.
وأيضاً هذا الخلاف لا فائدة عملية تحته سواء قلنا هو من منى أو من منى فإن الأحكام التي تترتب على وادي محسر هي هي فإنها لا تختلف.
- قال - رحمه الله -
فإذا بلغ محسراً: أسرع رمية حجر.
السنة أن الإنسان إذا بلغ هذا الوادي أسرع ومقدار هذه السرعة: رمية حجر.
- لقول جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاء وادي محسر حرك قليلاً.
والإسراع في هذا الوادي محل إجماع بين الفقهاء إنما اختلفوا في الحكمة من الإسراع، لكن أن يسرع ويقصد ذلك فهذه سنة لا إشكال فيها، ومقدار رمية الحجر قدرت بنحو (٥٤٥ ذراع) فيسرع الإنسان في أثناء قطع هذا الوادي ومدة السرعة هذه المسافة.