وهذا القول الثاني أرجح وأقوى ونحن نقول أن مفردات الحنابلة في الغالب مسائل راجحة وقوية لأن الإمام أحمد - رحمه الله - لا يتفرد إلا بموجب صحيح ودليل قوي. لكن قد يشذ عن هذه القاعدة بعض المسائل التي لا يكون الراجح فيها مع الإمام أحمد - رحمه الله - ومن ذلك هذه المسألة التي معنا فقول الحنابلة فيها ضعيف في الحقيقة وبعيد من حيث التعليل وأيضاً فيه مشقة على الناس.
- ثم قال - رحمه الله -:
- الرابع: ذكر أجل معلوم.
يشترط في السلم أن يكون مؤجلاً. فإن كان حالاً بطل.
فإن قال: أسلمت إليك بخمسين صاعاً من التمر تسلمها لي الآن فهو باطل.
= وإلى هذا ذهب الجمهور: بطلان السلم الحال هو مذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: (إلى أجل معلوم). فأشار النص إلى أنه يتحتم وجود الأجل في عقد السلم.
- الدليل الثاني: أن عقد السلم اغتفرت فيه بعض الواجبات لأجل الرفق بالناس والرفق إنما يحصل مع وجود الأجل لا بدونه.
= القول الثاني: للإمام الشافعي واختاره شيخ الإسلام بن تيمية - رحمهما الله - أنه يجوز السلم الحال.
استدلوا بدليلين:
- الدليل الأول: أن السلم الحال أبعد عن الغرر من السلم المؤجل. وإذا جاز المؤجل مع أن الغرر فيه أظهر فيجوز المعجل من باب أولى.
- الدليل الثاني: أن السلم الحال غاية ما يكون بيع فلنصححه بيعاً.
الراجح: والله أعلم مذهب الجمهور. واختيار الشافعية وشيخ الإسلام في هذه المسألة فيه ضعف.
سبب الترجيح: نحن نقول أنه يجوز في السلم العقد على معدوم فإذا صححتم السلم حالاً وجعلتموه بمثابة البيع يلزم من ذلك جواز العقد في البيع على المعدوم وهذا لا يجوز.
شيخ الإسلام - رحمه الله - تنبه لهذه المشكلة فقال في الاختيارات يجوز السلم الحال إذا كانت السلعة موجودة حتى يخرج من هذا الإشكال.
وأنا أقول لا يزال الإشكال موجوداً ولا يخرج منه بقوله: (بشرط أن يكون السلم حالاً) لماذا؟ لأن العلماء أجمعوا على جواز السلم في المعدوم فإذا اشترطت أنت في هذه الصورة أن يكون السلم على الموجود لم يصبح من السلم.