إنما وقع الخلاف فقط في مسألة: هل الرهن يتعلق بالسفر والحضر أو يتعلق بالسفر فقط؟ وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة خلاف ضعيف:
= فذهب الجماهير الأئمة الأربعة وعامة فقهاء المسلمين وعليه عمل الناس إلى أن الرهن مشروع في الحضر والسفر ولا تفريق بينهما.
= وذهب مجاهد فقط وهو من أئمة السلف - رحمه الله - إلى أن الرهن لا يكون إلا في السفر فقط. واستدل: - بالآية. (وإن كنتم على سفر فلم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة) فقوله: (وإن كنتم على سفر) صفة تقيد الحكم عنده.
والصواب مع الجماهير بلا شك لأمرين:
- الأمر الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رهن وهو في المدينة. فهو لم يكن على سفر - صلى الله عليه وسلم -.
- الثاني: أن هذا القيد خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن يحتاج الإنسان إلى توثقة الدين بالرهن في السفر لأنه قد لا يجد من يشهده على الدين أو لا يجد ما يكتب به الدين. وأما في الحضر فقد لا يحتاج إلى هذا. هذا في القديم أما اليوم فالحاجة إلى الرهن كبيرة جداً وتتعدى إثبات الدين إلى الوثوق بأداء المدين بالدين. فالحاجة إليه اليوم كبيرة جداً وقصره على السفر فيه تضييق على الناس وهذا على كل حال القول أشبه ما يكون بالقول المهجور.
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - يبين الأشياء التي يجوز أن ترهن:
- فقال - رحمه الله -:
- يصح في كل عين: يجوز بيعها.
هذه قاعدة الباب: أنه يجوز رهن كل عين يجوز أن تباع.
واستدلوا على هذا:
- بأن المقصود من الرهن هو: استيفاء الدين عند عجز المدين عن السداد أو امتناعه. وهذه الحكمة تتحقق في كل عين يجوز أن تباع.
وظاهر قول المؤلف - رحمه الله -: (في كل عين) أنه لا يجب أن نجعل الدين والمنافع رهناً بل لا يرهن إلا العين فقط. وهذا مذهب الحنابلة: أن الرهن لا يقع إلا على العين دون الدين والمنافع.
واستدلوا على هذا:
- بأن الوارد في السنة رهن الأعيان دون المنافع والديون فنقتصر على مورد النص.
= القول الثاني: أنه يجوز أن نجعل المنافع والديون رهناً.