تقدم معنا أن الفقهاء جميعاً إذا قرروا حكماً أعقبوه بالاستثناء. فهذا يستثنى من الحكم السابق العام .. ((الأذان)).
استثنى الحنابلة من الحكم السابق وهو عدم جواز رهن ما لا يجوز بيعه: الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو الصلاح: لا يجوز أن يباعا. ومع ذلك جوز الحنابلة أن يجعلا رهناً. مع العلم أنه لا يجوز أن يباع.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إنما هو خشية إصابة العاهة والعيوب. وهذا الأمر مفقود في مسألتنا فلا نخشى إصابة العاهة ولا إصابته العاهة فإنه لا يضر في مسألة الرهن.
- الثاني: قالوا: أنه إذا أصيبت اثمار والحبوب قبل بدو صلاحها بعاهة وأصبحت غير صالحة للبيع لم يخسر المرتهن شيئاً لأن الرهن بقي في ذمة الراهن. ولم يسقط منه شيء. فلا جهالة ولا غرر ولا ضرر على المرتهن ولهذا صححوا هذا العقد.
واستثناء الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع قبل أن يشتد: استثنء صحيح. لأنه في الحقيقة لا يتعارض مع الحكمة من الرهن. ولأن عادة وقت الرهن الأجل طويل فبإمكانه أن يتبين من صلاحية الثمرة للبيع أو عدمه.
وأما قول المؤلف - رحمه الله -: (بدون شرط القطع). فلا يريد أنه إذا كان مع شرط القطع فلا يجوز. بل معنى العبارة: حتى ولو بدون شرط القطع. أما مع شرط القطع فيجوز رهنه بالإجماع. لماذا؟ لأنه يجوز أن يباع. ولذلك لو قال المؤلف - رحمه الله -: (ولو بدون شرط القطع) لكان أوضح.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ولا يلزم الرهن: إلاّ بالقبض.
= ذهب الجماهير إلى أن عقد الرهن لا يلزم من قبل المرتهن إلا بقبض المرتهن له. أما إذا لم يقبض المرتهن الرهن فإنه يصبح جائزاً فللراهن أن يفسخ الرهن أي ساعة شاء. وهذه المسألة غاية في الأهمية.
إذاً لا يلزم الرهن إلا بقبض المرتهن له. فإن بقي بيد الراهن فالعقد جائز وليس بلازم.
استدلوا على هذا: - بالآية فإن الله تعالى يقول: (فرهان مقبوضة). فنصت الآية على اشتراط القبض. ومعلوم أن قوله مقبوضة يعني: من المرتهن.
واستدلوا على هذا: - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رهن الدرع عند اليهودي أقبضه إياه.
فدل الكتاب والسنة على هذا الشرط.