والقول الثاني: أنه لايجوز في إنكار آلة المنكر إلاّ الكسر فقط دون الإتلاف في جميع الأعيان , بشرط أن تكون هذه الأعيان مما يمكن الإنتفاع منها بعد الكسر. فإذا كانت مما يمكن الإنتفاع منها بعد الكسر, سواء كانت صليب, أو آلة معازف أو ذهب وفضة وآنية خمر فإنه لايجوز فيها إلاّ الكسر دون الإتلاف ,واستدلوا على هذا بأدلة الدليل الأول" أنّ المقصود من كسرها إنكار المنكر , وإنكار المنكر يحصل بتغيِير الصورة التي تقع فيها المنكرات , فإذا كسرنا المزمار, بحيث لايمكن أن ينتفع منه كمزمار ويمكن أن ينتفع منه كقطع خشب زال المنكر وبقيت المالية لصاحبها , واستدلوا الدليل الثاني. بما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنّ عيسى - صلى الله عليه وسلم - ينزل في آخر الدهر حكماً عدلاً قسطاً ويكسر ماذا؟ الصليب. فعبر بقوله يكسر مع العلم أنه يكسر الصليب وهو من النوع الأول أوالثاني؟ عندالحنابلة. من النوع الأول مع ذلك عبرّ بالكسر, فدلّ هذان الدليلان على أنّ الإنسان إذا أراد أن ينكر المنكر فإنه لايجوز له أن ينكره بالإتلاف ولكن ماذا؟ بالكسر. ويرى بعض الحنابلة أنّ جواز الإنكار بالإتلاف رواية رجع عنها الإمام أحمد - رحمه الله - فإنه سئل عن هذه المسألة, فقال يتلف ولاحرج , فقال السائل فكيف بالمالية؟ كيف بماليتها التي ينتفع منها؟
فسكت الإمام أحمد , ثم سئل في مجلس آخر, وأفتى بالكسر دون الإتلاف. فقال الحنابلة سكوته في الأول ثم فتواه الثانية تدل على أنه ماذا؟ رجع ومن هنا نفهم أنّ الإمام أحمد ليس عنه نصّ صريح في الرجوع , ولكن الرجوع يفهم من ماذا؟ من مجموع الفتاوى على كل حال رجع أو لم يرجع. الراجح إن شاء الله القول الثاني وهو أنه يكتفى بالكسر إحتراماً للمالية. ولأنّ المنكر يزول بذلك.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجد الخمر أمر بماذا؟ بكسرها أمر بكسر الخمر. ولما وجد القرب أمر بماذا؟ بقطعها ومن المعلوم أنّ القربة إذا قطعت يمكن الإستفادة منها بأن تصنّع مرة أخرى, ولم يأمر - صلى الله عليه وسلم - بإحراقها.
فهذا القول الثاني لعله إن شاء الله هو الأقرب وهوأحسن من تفصيل الحنابلة, وبهذا نكون إنتهينا من باب الغصب.