- ولأن الأصل عدم الإذن. يعني: أن الأصل عدم إذن المالك بدفع الأمانة إلى غيره. فإذا زعم أنه دفعها إلى غيره بإذن المالك فهو خلاف الأصل.
وهذا القول اختاره الحارثي وهو قول جيد جداً وهو الراجح إن شاء الله وينبغي على المودَع أن لا يدفع الوديعة أبداً إلا إلى صاحبها. إلا أن يدفعها إلى غيره ببينة أو شهود. أما أن يدفعها إلى غير صاحبها فهو في الحقيقة فرَّط.
إذاً: هناك فرق بين أن يقول المودَع أنه ردها إلى ربها أو إلى غيره.
قوله - رحمه الله -: (وتلفها وعدم التفريط). يعني: ويقبل قوله في أنها تلفت ويقبل قوله في أنها تلفت بلا تفريط منه يعني ولا تعدي. وهذا بالإجماع ولله الحمد أنه إذا ادعى أنها تلفت بغير تعدي فالقول قول المودع.
وهذه المسألة مما يضعف قول المالكية في مسألة الرد - مما يضعفه جداً لأنهم هنا يقولون: إذا ادعى أنها تلفت يقبل قوله وإذا ادعى أنه ردها فإنه لا يقبل قوله وفي هذا التفريق ضعف فقهي.
- ثم قال - رحمه الله -:
- فإن قال: ((لَمْ تُوْدِعْنِي)) ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى رداً أو تلفاً سابقين لجحوده: لم يقبلا ولو ببينة.
مقصود المؤلف - رحمه الله - بهذه المسألة أن ينكر المودع الوديعة.
يعني: يجحد الوديعة.
ثم لما جحد الوديعة ثبتت الوديعة ببينة أو بإقرار.
فإذا ثبتت الوديعة ببينة أو إقرار ثم زعم المودع أن الوديعة تلفت في وقت سابق للجحود فإن قوله لا يقبل.
فإذا أنكر الوديعة يوم الجمعة طولب بالوديعة فأنكر الوديعة. ثم ثبتت الوديعة إما بإقراره أو ببينة يوم السبت.
فلما ثبتت زعم أن الوديعة تلفت يوم الخميس.
فزعم أنها تلفت في وقت سابق لجحوده.
حينئذ لا يقبل - لاحظ كلام الحنابلة - ولو ببينة. حتى لو أتى ببينة صحيحة تشهد فإنه لا يقبل.
عللوا ذلك:
- بأنه مكذب لنفسه شاهد عليها بالخيانة إذ كيف يزعم يوم الجمعة أنه لا وديعة ثم يزعم بعد ذلك أنها تلفت يوم الخميس فهو شاهد على نفسه بالكذب والخيانة فلا يقبل.
= القول الثاني: أنه إذا أثبت التلف ببينة يقبل.
وهو قول للحنابلة ومال إليه الحارثي.