إلا أن الإشكال أن هذا الحديث مرسل والمرسِل له هو سعيد بن المسيب - رحمه الله -. والمرسل كما تعلمون من أقسام الحديث الضعيف إلا أنه مع ذلك استدل به الإمام أحمد - رحمه الله -.
السبب في ذلك: أن الإمام أحمد والإمام ابن معين ربما غيرهم لكني أنا وقفت على كلام الإمام أحمد وكلام ابن معين يقولون أنه أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب.
أضف إلى هذا أمر أشار إليه الحافظ الحاكم وهو قوله: إن الحفاظ المتقدمون نظروا في مراسيل سعيد بن المسيب فوجدوها صحيحة متصلة. وهذا حكم هلى جميع المراسيل والحاكم إمام حافظ وينسب الحكم للحفاظ لا إلى نفسه.
من مجموع هذين الأمرين: انطلق الإمام أحمد فأخذ بهذا الحديث واستدل به واتكأ عليه.
وهذا صحيح: ما دام مراسيل سعيد بن المسيب بهذه المثابة من القوة والمتانة والصحة والثبوت فإن الاستدلال بها سليم ولا غبار عليه.
= القول الثاني: ان حريم البئر هوم المقدار الذي يحتاج إليه في إخراج الماء منها.
وهذا اختيار القاضي أبو يعلى من الحنابلة. - يقول - رحمه الله -: هذا هو الحد.
واستدل هؤلاء:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حريم البئر قدر الرشا).
يعني: أنه بقدر ما يسحب الحبل لإخراج الماء يكون حريم البئر. وهذا الحديث ضعيف.
وتلاحظ الآن - أو نستطيع أن نقول قاعدة: (أن الإمام أحمد يقدم المرسل القوي على الحديث الضعيف). وما نقول هنا الحديث الضعيف خير من المرسل لأنه حديث مرفوع إلا أنه ضعيف والمرسل لم يتصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إن الإمام أحمد - رحمه الله - يقول: المرسل القوي خير من الحديث الحديث. هو لم يقل هذه القاعدة بالتصريح لكن يفهم هذا من طريقة تفقه الإمام أحمد - رحمه الله -.
لهذا نقول: الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وهو أن حريم البئر هو هذا المقدار المذكور في الحديث.
ومادام ليس في الباب إلا هذا المرسل إلا عن هذا التابعي الجليل فهو مكان للاستمساك والاعتبار.
(الحريم) هو: ما يكون حول البئر. حريم الشيء ما يكون حوله.
ولذلك نحن نقول: (حريم العامر) يعني ما يكون حول البلد العامر من الأراضي.
وحريم البئر يعني: ما يكون محيطاً بالبئر من الجوانب.