- أن هذه المسألة وقعت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفتى فيها. وذلك أن رجلاً من الأنصار اشتكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزبير بن العوام فقال: إن الزبير يسقي قبلي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اسقي يا زبير ثم دع الماء لجارك.
هذه الفتوى الأولى.
فقال الأنصاري: - لعله مع الغضب - أن كان ابن عمتك يارسول الله. فتلون وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتد غضبه ثم قال: اسق يازبير إلى أن تبلغ الجدر ثم دع الماء.
ما معنى الحديث؟ معنى الحديث: ان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفتاه أولاً بأن يأخذ دون حقه الواجب وهو أن يسقي السقي المعتاد ولو لم يصل الماء إلى الجدر فلما اعترض الأنصاري على هذا الحكم العدل الذي فيه مراعاة للإنصاري استوفى النبي - صلى الله عليه وسلم - حف الزبير الشرعي فأمره أن يسقي إلى أن يبلغ الماء إلى الجدر ثم يترك الماء إلى جاره.
لكنا نجد المؤلف - رحمه الله - يقول: (إلى أن يصل إلى كعبه ثم يرسله إلى من يليه).
فالتحديد بالوصول إلى الكعب أخذ من أنهم حبسوا مقدار ما يصل إليه الماء من الجدر فوجدوه إلى الكعب فأخذوا هذا حكماً مسلماً.
فإذاًك نقول هذا هو الحكم.
فمن في أعلى النهر أحق ممن دونه ممن هو أسفل منه وهكذا تتدرج القضية ولو انتهى الماء عن الأخير.
وبهذا عرفنا الحكم إذا حصلت المشاحة بينهم على الماء.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وللإمام دون غيره: حمى مرعى لدواب المسلمين، ما لم يضرهم.
الحمى: هو أن يمنع الإمام الناس من الرعي في منطقة محددة بحيث تكون خاصة لماشية الزكاة أو خيول الجهاد.
ولاشك أنهم ذكروا هذا كالتمثيل. لأن غالب مواشي بيت المال في العهد النبوي وفي ما بعده غالبها إما أن تكون صدقات أو تكون خيولاً معدة للجهاد.
فإذاً: الآن الحمى هو أن يمنع الإمام الناس من الرعي في مكان معين ويخصصه لبهيمة الأنعام الزكاة ولخيول الجهاد.
وكون الإمام يحمي هذا ثابت بالنص والإجماع - أو بأدق: (كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمي هذا ثابت بالنص والإجماع).