والقول الثاني: أنّ الإبراء من المجهول يجوز, بشرط أن يضع له حداً أعلى, فيقول إن كان الدين ألف فأقل فقد أبرأتك منه، يعني في المسألة إشكال, لكن الأقرب مذهب الحنابلة, لأنّ الإبراء وإن كان فيه شبه من الهبة, إلاّ أنه يبقى مع ذلك أخف منها، كما أنّ فيه إبراء لذمة مشغولة, والشارع الكريم يتشوف إلى إبراء الذمم المشغولة, ولهذا نقول إذا أبرأه من الدين وإن كان مجهولاً فلا بأس به, وإن كان القول الثاني في الحقيقة جميل جداً وينهي النزاع, فلو تبّين فيما بعد أنّ الدين مبلغه كبير جداً ربما ندم المبرأ، لكن لو قال إذا كان الدين ألف فأقلّ فقد أبرأتك, فينتهي الإشكال, فيكون الألف فأقلّ مبرأ وما هو زيادة على هذا باقي في ذمتّه لكن على كل حال نقول إن شاء الله, مذهب الحنابلة أحسن لمسألة رغبة الشارع في إبراء الذمم, والمقصود بالدين هنا يشمل أن يكون دين بسبب القرض أو دين بسبب ثمن المبيع الذي لم يؤديه, أو أن يكون دين بسبب جناية, أو أن يكون دين بأيّ سبب من الأسباب التي يترتب عليها انشغال الذمم, وتقدم معنا في كتاب القرض أنّ بين الدين والقرض فرق, وأنّ الدين أعّم من القرض وأنّ القرض أحد أسباب الدين, فالمؤلف يستخدم كلمة الدين ليشمل انشغال الذمة بأيّ سبب من الأسباب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ويجوز هبة كل عين تباع , وكلب يقتنى)
عند الحنابلة الأصل العام أنه يجوز هبة كل عين تباع, فما جاز بيعه جازت هبته, والدليل على هذا أنّ الهبة تمليك للأعيان في الحياة فهي تشبه البيع, تقدم معنا أنّ هذا الشبه شبه جزئي وليس شبهاً كلياً, وأنّ بين البيع والهبة فارق أساسي وهو؟ العِوض لكن مع ذلك مادام في كل من البيع والهبة تمليك في الحياة, فهما من هذه الجهة يتشابهان فكل ما جاز بيعه جاز هبته, أضف إلى هذا أنّ البيع أضيق من الهبة, فإذا كانت هذه العين تباع فمن باب أولى أنها توهب.