القول الثاني: أن لها الامتناع عن تسليم نفسها ولو رضيت في وقت من الأوقات، واستدل هؤلاء بأن الموجب والمسوغ لامتناع المرأة هو عدم تسليم المهر، ولا زال هذا المعنى موجوداً، وقبل الترجيح هذه المسألة من المسائل التي توقف فيها الإمام أحمد رحمه الله، وتقدم معنا أنه مثل هذا الإمام الكبير إذا توقف فهو إشارة إلى وجود بعض التعارض في أدلة المسألة، الذي يظهر لي أن المتوافق مع قواعد الشرع هو القول الثاني لأن الحقوق المتجددة لا تسقط بالإسقاط ولأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا كان علة الامتناع هو عدم دفع الزوج للمهر فهذه العلة موجودة، فالذي يظهر والله أعلم هو هذا أن لها أن تمتنع، وفي هذا القول في الحقيقة الثاني مع أنه قرب لقواعد الشرع أحفظ لحقوق النساء، لأنها قد ترضى في وقت من الأوقات ضانة أن الزوج سيؤدي الحق الذي عليه إن عاجلاً أو آجلاً، ثم يظهر لها أنه مماطل وأنه يدفع كلما جاء الوقت أخر فلها أن تمتنع وتذهب إلى أهلها إلى أن يدفع الزوج المهر وهذا إن شاء الله أقرب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فإن أعسر بالمهر الحال .. )
إذا أعسر بالمهر بشرط أن يكون الحال، فلها الامتناع، سواء قبل الدخول أو بعد الدخول.
نأخذ كل مسألة على حده.
المسألة الأولى: قبل الدخول، قبل الدخول للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها إذا أعسر الزوج، لأنه بإعسار الزوج تبينّا عدم المقدرة على أداء العوض، وإذا لم يستطع أن يؤدي العوض جاز لها أن تمتنع، كما أن البائع إذا لم يؤدي المشتري الثمن جاز له الرجوع بالسلعة.
القول الثاني: أنه إذا أعسر فليس لها أن تمتنع، لأن هذا الإعسار غاية ما يكون دين في ذمة الزوج لا يمنع من الطاعة، كما إذا أعسر في النفقة القديمة، فإن هذا الإعسار لا يمنع من التسليم، وهذا القول الثاني اختاره الشيخ ابن قدامة وأيضاً الشيخ ابن حامد من الحنابلة وله اختيارات أيضاً جميلة.
المسألة الثانية: إذا كان بعد الدخول، وهي التي أشار إليها قوله (ولو بعد الدخول)، إذا كان بعد الدخول فالحنابلة كما ترون الحكم نفسه، أن لها الفسخ،