أفادنا المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يولم بأقل من شاة، وهذا محل إجماع، لصنع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مع هذا استحب كثير من الفقهاء ألا ينقص الإنسان في وليمته مع القدرة عن شاة، بل استحب كثير من الفقهاء أن يزيد على الشاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أولم ولو بشاة" فجعل أقل المقدار الذي يولم به الإنسان هو شاة، وهذا صحيح، أنه ينبغي ويستحب أن يولم الإنسان بأكثر من شاة، وكلما زاد فهو أفضل، بشرطين: القدرة وعدم الإسراف، فإذا تحقق الشرطان فلا بأس، وسيأتينا أن أبّي بقي يصنع الولائم لزواجه رضي الله عنه لمدة ثمانية أيام، وكذلك ابن سيرين جلس هذا المقدار، وغيره من السلف، فإذا لم يكن هناك إسراف ومباهاة فلا بأس.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وتجب في أول مرة .. )
قوله وتجب أشار المؤلف إلى أن إجابة الدعوة الخاصة بوليمة الزواج واجبة، وإلى هذا ذهب الجماهير بل حكي إجماعاً، وممن حكى الإجماع ابن عبد البر والنووي والقاضي عياض وغيرهم فهو إجماع محكي.
واستدلوا على هذا بأدلة:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا دعي أحدكم إلى وليمة العرس فليأتيها" وفي لفظ "فليجب".
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "شر الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله"، وهذا الحديث روي من قول أبي هريرة وروي في الصحيح أيضاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث صريحة في الأمر بإجابة الدعوة إذا كان الداعي للزواج.
القول الثاني: أن إجابة الدعوة فرض كفاية، واستدل أصحاب هذا القول بأن المقصود من الأمر بإجابة الدعوة إدخال السرور على المسلم وتوليه وهذا يحصل إذا قام به من يكفي.
القول الثالث: وهو مروي عن بعض الشافعية وأيضاً بعض المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه سنة.
والذي تدل عليه النصوص هو القول المحكي إجماعاً، والخروج عن هذه الأحاديث في الحقيقة صعب، وهي فيها الأمر الصريح بإجابة الدعوة، والحكم عليه بأنه عصى الله وعصى رسوله إن لم يفعل، فلعل هذا هو الأقرب إن شاء الله.