هذا الفصل المؤلف أراد منه بيان مسألة مهمة, عقد الفصل لتحقيق هذا المقصد وهو أنّ الطلاق على عوض كالخلع في أنّ الزوج لا يملك مراجعة زوجته, لأنّ المقصود من الطلاق على عوض أن تفتدي نفسها وأن تتخلص من ضرره وإذا مكناه من المراجعة ذهب هذا الغرض, إذاً مرة أخرى مقصود المؤلف من هذا الفصل بيان أنّ الطلاق سواء كان معلق أو منجز إذا كان على عوض فهو كالخلع في ماذا؟ في عدم جواز المراجعة, وذكرت التعليل على هذا.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن تراخى)
أفادنا المؤلف - رحمه الله تعالى - مسألتين:
المسألة الأولى: أنّ الزوج إذا استخدم هذه الألفاظ صار التعليق لازماً من جهته وليس له الرجوع فإذا قال متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق، أصبح لازماً ولا يملك الرجوع ولا فسخ التعليق, واضح. فيبقى الأمر بيد المرأة إلى ما لا نهاية تعليل هذا قالوا أنّ هذه الصيغة اشتملت على تعليق وعوض, أليس كذلك لأنه يقول متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق اشتملت
على التعليق والعوض لأنه يقول متى أعطيتني كم؟ ألفاً قالوا والمرجح والمغلب في هذه الصيغة هو التعليق لا العوض ولهذا يكون التعليق لازما في حق الزوج , وهذا مذهب الجمهور.
القول الثاني: أنّ هذا التعليق ليس بلازم بل للزوج فسخه متى شاء , واستدل أصحاب هذا القول بأنّ حقيقة هذا التعليق أنه تعليق مقابل بعوض فهو بالبيع أشبه منه بالتعليق, وهو يفارق التعليق المحض, التعليق المحض كأن يقول إذا دخل زيد فأنت طالق هذا تعليق محض, هل يوجد عوض في هذا التعليق, إذاً هو تعليق محض فالتعليق المربوط بعوض يفارق التعليق المحض لأنّ التعليق المحض هو في الواقع ايقاع للطلاق وغاية ماهنالك أنه مؤخر، بخلاف التعليق الذي معلق بعوض فالمقصود منه المعاوضة وبهذا أصبح بين الصورتين فرق، وهذا الفرق البديع في الحقيقة ذكره شيخ الإسلام وانتصر لهذا القول الثاني وقوله وجيه وقوي, وعلمنا من هذا التفريق أنّ هناك فرق بين أن يقول الرجل لزوجته إن أعطيتني ألف فأنت طالق وبين أن يقول إن خرجت من هذا الباب فأنت طالق.
ففي الصورة الأولى يملك الفسخ وفي الصورة الثانية لا يملك الفسخ. انتهينا من المسألة الأولى التي دلت عليها عبارة المؤلف.