الثاني: أنّ اعتبار النية لا يسقط في حال لا الغضب ولا في حال الرضا , يعني أنه لا يختلف بين حال الغضب والرضا بل يعتبر في الحالين. وهذا القول الأخير هو الصواب بلا شك , رجل قال لزوجته بعد نزاع وشقاق اخرجي , نقول طلقت منك وإن لم يرد ربما أراد بقوله اخرجي تجنب وقوع الطلاق فكيف نعامله بنقيض قصده ونقول وقع الطلاق , في هذا القول بعد كبير جداً , ولهذا ابن قندس رحمه الله من كبار الحنابلة أشار إلى أنه يرى أنّ الحنابلة ما أرادوا بهذه العبارة إسقاط اعتبار النية وإنما أرادوا أنّ قرينة الحال تكفي عن النية , وهو تخريج منه جيد , فيبعد أن يكون مراد الحنابلة أنه إذا استخدم الكنايات في حال الغضب تطلق مباشرة. وإنما لعلهم أرادوا أنّ الكناية الآن أو أنّ الملابسات والقرائن تغني عن النظر لي النية ,على كل حال سواء صح ما ذكره ابن قندس أو لم يصح الراجح أنه لا بد من النية في الكنايات , لاسيما مع ترجيح اشتراط النية في الصريح.
وقوله (حكماً) دليل على أنه يقبل منه في الديانة وفي بينه وبين الله , فإذا قبلت المرأة منه أنه ما أراد الطلاق ولم يترافعا إلى الحاكم فهي زوجته عند الله وعند رسوله. يعني زوجته في حقيقة الأمر , ويديّن بينه وبين الله ولا يأثم بتركها.
قال - رحمه الله - (ويقع مع النية بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة)
الكنايات الظاهرة إذا استخدمها الزوج صارت أعظم من الصرائح أليس كذلك؟ لأنه إذا قال أنت طالق واحدة , وأما إذا استخدم كناية ظاهرة فقال أنت بتة ,أو أنت حرة , فإنها تقع ثلاث. الدليل قالوا إنّ هذه الألفاظ تحمل معنى البينونة , والبينونة لا تكون إلاّ بإيقاع الثلاث.
القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد وقول لطيف جداً , وفيه فقه , قال تقع بالكنايات الظاهرة واحدة لكن بائنة , وهو جميل جداً يدل على أنه من الفقهاء - رحمه الله - لأنه جمع بين الأقوال.
القول الثالث: أنه لا يقع إلاّ ما نواه إن كانت واحدة أو ثنتين أو ثلاث , ما نواه يقع. واستدل هؤلاء بأنّ الكنايات الظاهرة لا يمكن أن تكون أعظم من الصرائح , والصرائح لا يقع بها إلاّ واحدة هذا القول الأخير هو الراجح إن شاء الله.