وأما الاستثناء الحكمي فهو: أن يفصل بين المستثنى منه والمستثنى بنحو تنفس أو سعال بما لا يقطع في الحقيقة الاتصال.
وإلى اشتراط الاتصال ذهب الأئمة الأربعة بلا خلاف ,بل إنّ بعض الفقهاء قال هو محل إجماع ,واستدل الجماهير على اشتراط الاتصال بأنّ الكلام إذا لم يكن متصلاً لم يكن كلاماً واحداً , وإذا لم يكن كلاماً واحداً فإنّ الطلاق يقع باللفظ الأول , وإذا وقع فإنه لا يرفع فهذا هو عمدتهم في اشتراط الاتصال , وهو يعود إلى مسألة أنه إذا وقع الطلاق فإنه لا يرفع لأنّ الاستثناء لم يصح , ومن هنا علمنا أنه ليس معهم دليل من الكتاب أو السنة.
القول الثاني: وهو مذهب الحسن البصري , ورواية عن الإمام أحمد ونصره شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهم من المحققين , وهذا القول هو أنه لا يشترط الاتصال , ويعبر عن هذا القول بأحد تعبيرين:
التعبير الأول: أن يقولوا لا يشترط الاتصال ما دام في المجلس.
والتعبير الثاني: أن يقولوا لا يشترط الاتصال مادام الكلام واحداً , وهو اختلاف عبارة إلاّ أنّ هذا الاختلاف يلقي الضوء على مقصود هؤلاء بقولهم لا يشترط الاتصال. الأدلة استدل هؤلاء بأدلة:
الأول: منها أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - (لما خطب في حجة الوداع وبيّن منزلة مكة وحرمتها , وقال لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها , ثم قال ولا تحل لقطتها إلاّ لمنشد ثم قال ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ثم قال العباس إلاّ الإذخر, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ الإذخر) ففي الحديث الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي. فإنّ حكم اللقطة وحكم ولي الدم ليس له علاقة بقضية الاستثناء وهو جواز احتشاش الإذخر. وهو نص في المسألة فإذا هذا الحديث بيّن صحة الاستثناء وإن لم يتصل أيّ
الاتصال الذي أراده الجمهور.
الدليل الثاني: أنه صح عن ابن عباس أنه يجوز الاستثناء وإن لم يتصل , وهذا القول هو الراجح أنه مادام الكلام كلاما واحداً في مجلس واحد متصل فإنه يصح الاستثناء ولو فصل بين المستثنى منه والمستثنى بكلام أجنبي عن الموضوع.
ثم - قال رحمه الله - (وشرطه النية قبل كمال ما استثنى منه)