سراية القودة هدر لا فقيمة لها. والمقصود بالقود القصاص: فإذا تم القصاص على الجاني وأدى القصاص إلى سراية أودت بالعضو كاملا أو بالنفس فإنه تعتبر هذه السراية هدر لأن القصاص مأذون فيه شرعا والقاعدة المشهورة أن ما ترتب على المشروع غير مضمون فما دام العمل مشروع فما يترتب عليه فإنه لا ضمان فيه. ثم انتقل المؤلف للشرط الذي أشرت إليه سابقا.
ثم - قال رحمه الله - (ولا يُقتص من عضو وجرح قبل برئه كما لا تطلب له الدية)
مذهب الحنابلة أنه لا يجوز ويحرم الاقتصاص من العضو وأخذ الدية عليه قبل برئه. أنه لا يجوز ويحرم أن نقتص قبل برئه.
واستدلوا على هذا أن رجلا جنا على ركبة صحابي فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال أقدني من فلان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (حتى تبرأ) ثم جاء أخرى وقال اقدني فاقتص له النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لما برئ الجرح جاء المجني عليه أصبت بالعرج. فهذه سراية لأن الجرح أصبح يشكل عاهة مستديمة وهي العرج فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (قد نهيتك أبعدك الله) ثم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتصاص قبل البرء. فاستدل الحنابلة بهذا الحديث على التحريم ورتبوا على هذا فرعا فقهيا آخر وهو أنه إذا أبى إلا الاقتصاص فإن السراية التي تكون بعد ذلك تكون هدر ولا يُقتص للمجني عليه منها لأنه ضيع حقه بنفسه.
والقول الثاني: أن الصبر إلى البرء مستحب يعني طلب الاقتصاص مكروه فقط وليس محرما.
والدليل: أنه أذن - صلى الله عليه وسلم - في الحديث واقتص منه.
والراجح انه يحرم لأمرين:
الأول: الاقتصاص قبل البرء دائما يفضل إلى النزاع فيما إذا قعت السراية.
الثاني: أنه في آخر الحديث قال ثم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتصاص قبل البرء.
بناءا على هذا لا يجوز لقاضي أن يقتص في الجناية قبل البرء بهذا انتهى هذا الفصل.