والقول الثاني: أنّ في الشم الحكومة وليس فيها دية وعللوا هذا بأنّ منفعة الشم ضعيفة لأنه إنما تراد منفعة الشم ليشم بها والأرواح الكريهة في بعض الأماكن قد تكون أكثر من الأرواح الزكية فإذا قالوا بناء على هذا منفعة الشم ضعيفة. أليس كذلك؟ ماذا ترون بهذا الكلام هذا ذكره فقهاء كبار وجه الضعف من حيث التعليل إذا كنا سنعلل بالحواس أنها قد تلتقط ما يكره إذا قد يسمع ما يكره أليس كذلك؟ وقد يرى ما يكره من الحوادث المؤلمة والمفجعة ومن المناظر التي لا يحب أن يراها إذا التعليل بهذه العلة عليل في الواقع والشارع وهب الإنسان وأنعم عليه بالشم فإذا هو يستحق مقابل هذه النعمة إذا فقدها أن يأخذ العوض وهي الدية كاملة فالتعليل في الحقيقة ضعيف جدا.
ثم - قال رحمه الله - (والذوق)
الذوق الخلاف فيه كالخلاف في الشم فذهب الجماهير إلاّ أنّ فيه الدية لمنفعته.
والقول الثاني: أنّ فيه حكومة لأنه لا دليل عليه ولأنّ منفعته أقل من منفعة السمع والبصر والراجح والله أعلم أنّ فيه الدية لأنه حاسة قائمة بنفسها كاملة ولهذا فيها الدية انسجاما مع تقرير الشارع الدية في الحواس الأخرى.
قال - رحمه الله - (وكذا في الكلام)
وقوله وكذا في الكلام يعني إذا جنا عليه جناية منعته من الكلام وأصبح لا يستطيع أن ينطق ففيه الدية وهذا الحكم محل إجماع فإن تسببت الدية بذهاب بعض النطق فإنّ الدية تقسم على الحروف الهجائية وما نقص أخذ ديته.
قال - رحمه الله - (والعقل)
إذا جنا عليه جناية ذهبت بالعقل فإنه يعطى الدية كاملة ودل على هذا النص والإجماع ففي حديث عمرو بن حزم وفي العقل الدية وأيضا أجمع الفقهاء على هذا والعقل لا شك من أهم ما منّ الله به على الإنسان بل به فضل على البهائم فإذهابه فيه الدية كاملة بلا إشكال فإن صارت الجناية سببا في إذهاب بعض العقل فما الحكم؟ يمكن هذا؟ ممكن إما بما ذكر أنه يفيق أحيانا أو يكون بعد الحادث