قوله وحيوانات البر مباحة إنما ذكره ليعطف عليه بما بعده وإلاّ فإنّ قوله في أول الكتاب أنّ الأصل الحل يشمل الحيوانات والمطعومات إلاّ أنّ تصرف المؤلف كأنه يشعر وإن كان ليس بذاك الوضوح كأنه يشعر أنه في المقدمة الأولى يتحدث عن غير الحيوانات يعني عن الحبوب والثمار. ثم الآن انتقل إلى ما يأكل من اللحوم وهذا منسجم تماما مع تصرف المؤلف إلاّ أنه يشكل عليه شيء واحد أنه تطرق لتحريم الميتة والدم. وإلاّ لكان القسم الأول عن الحبوب والثمار ثم الآن ينتقل إلى الكلام عن الحيوانات البرية. بيّن المؤلف أنّ الأصل فيها الحل وكما قلت دلت عليها النصوص السابقة.
ثم - قال رحمه الله - (إلاّ الحمر الإنسية)
الحمر الإنسية محرمة عند الجماهير من السلف والخلف. واستدلوا على هذا بآثار واضحة وصريحة فاستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. واستدلوا أيضا بحديث أنس وهو أيضا في الصحيح قريب من حديث ابن عمر وفيه أنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. وهذه النصوص صريحة جدا.
القول الثاني: وهو إحدى الروايات عن الإمام مالك ومذهب ابن عباس أنها حلال واستدلوا على هذا بالآية فإنّ الآية لم تذكر الحمر مع أنّ فيها نفيا وإثباتا {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به}[الأنعام/١٤٥] ففيها النفي والإثبات والنفي والإثبات علامة الحصر وأشرت في أول الباب إلى أنّ المالكية عندهم إشكال في الأطعمة وهذا من شواهد هذا الإشكال فإنه يستكثر على إمام مثل الإمام مالك أن يذهب إلى مثل هذا القول وإن كان إحدى الروايات عنه.
أما ابن عباس فروي أنّ علي بن أبي طالب ناظره وذكر له الأحاديث فلما بلغته رجع. ولهذا ذهب كثير من الأئمة إلى أنّ عذر الإمام مالك وعذر ابن عباس - رضي الله عنهما - عدم بلوغهما الخبر والراجح كما هو ظاهر إن شاء الله أنّ الحمر محرمة.
وقوله (الحمر الإنسية) أخرج الحمر الوحشية وسيأتي نصوصا عليها في كلام الماتن - رحمه الله -.