يجب على ولي الأمر إذا أراد أن يختار القاضي أن يراعي هذين الأمرين. الورع والعلم لأنّ العلم يعينه على تحقيق الصواب والورع يحجزه في الوقوع عن في المحرم , والدليل على الوجوب أنه إذا كان تعيين القاضي واجب فهذا مما يحقق المطلوب من تعيين القاضي وهو إقامة العدل ولا شك أنّ هذا واجب وينبغي عليه أن يحرص على البحث عن العالم الورع فإن عرفه بنفسه فذاك وإلاّ سأل والسؤال حينئذ أيضا واجب لأنه يحقق الوجوب الأول.
ثم - قال رحمه الله - (ويأمره بتقوى الله وأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته)
يجب على ولي الأمر أن يأمر القاضي بأمرين الأول: أن يتقي الله. والثاني: أن يتحرى العدل. والدليل على الوجوب أنّ الغرض من القاضي إيصال الحق إلى أصحابه ولا يكون إلاّ بذلك ولا يكون إلاّ بأن يتقي الله ثم يتحرى العدل. وفي الحقيقة التقوى تثمر أن يتحرى. يعني لو كان تقيا فإنه سيتحرى العدل وإنما نص عليه وأكد عليه لأهميته في باب القضاء.
ثم - قال رحمه الله - (فيقول وليتك الحكم أو قلدتك ونحوه)
لا يكون القاضي قاضيا إلاّ بتولية ولي الأمر وتولية القاضي لها ألفاظ صريحة وألفاظ كناية. المؤلف ذكر الألفاظ الصريحة فاللفظ الصريح أن يقول ولي الأمر للقاضي وليتك ولا تنعقد الولاية إلاّ إذا قال القاضي قبلت. فإذا قال قبلت فقد أصبح واليا إما ولاية عامة أو خاصة حسب الولاية التي ولاه إياها الحاكم.
القسم الثاني: الألفاظ غير الصريحة الكناية. من أمثلتها أن يقول اعتمدت عليك , أو أن يقول عولت عليك. حكم هذه الألفاظ أنه لا يكون بها وليا ولا حاكما إلاّ إذا دلت القرينة. وإلاّ فهو ليس بقاضي والتعليل أنّ هذه الألفاظ تحتمل أن يريد تعيينه قاضيا وتحتمل أن يريد استشارته في قضية معينة فقط ولهذا نقول يجب أن توجد هناك قرينة تدل على إرادة توليته القضاء.
ثم - قال رحمه الله - (ويكاتبه في البعد)
مراد المؤلف بهذا أنّ التوليه كما تحصل باللفظ للقريب تحصل بالكتابة للبعيد وأنّ الكتابة مجزئة ويحصل بها التولية ولو لم يشافهه بها والدليل على هذا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل كتابا مع عمرو بن حزم.