أيّ أنّ الحنابلة يكتفون برجل ويمين وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة والفقهاء السبعة والأئمة الثلاثة وليس بعد هؤلاء أحد واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشاهد ويمين المدعي. واستدلوا بحديث ابن عباس أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشاهد يمين المدعي وحديث ابن عباس بالذات صححه الإمام النسائي فلا إشكال إن شاء الله أنّ هذا المعنى محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كما ترى نص في المسألة.
القول الثاني: وهو للأحناف أنه ليس من البيّنات الشهادة مع يمين المدعي واستدلوا بأمرين: الأمر الأول: أنّ الآية الكريمة حصرت البيّنات في رجلين أو رجل وامرأتين ولم تذكر الشاهد واليمين.
الدليل الثاني: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. وفي اللفظ الثاني. واليمين على المدعى عليه فحصر اليمين على المدعى عليه فلا تكون في جانب المدعي والراجح إن شاء الله بلا إشكال مذهب الجماهير والأئمة ورجحان هذه المسألة مما يقرر القاعدة التي أشرنا إليها مرارا وهي أنّ اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين وهنا قوي جانب المدعي بوجود الشاهد فلما قوي صارت اليمين في جانبه وهذا إن شاء الله كما قلت هو الراجح.
قال - رحمه الله - (وما لا يطلع عليه الرجال. كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والإستهلال)
فكل ما لا يطلع عليه إلاّ النساء فإنه يقبل فيه امرأة واحدة عدل واستدل الحنابلة على هذا. أولا هذا محل إجماع في الجملة لم يخالف فيه أحد من الفقهاء. ثانيا الدليل الذي استدلوا به هو حديث عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - أنه تزوج بامرأة فأتت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما. فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إنّ فلانة وهي أمة سوداء تزعم أنها أرضعتنا فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء بعد وقال يا رسول الله إنّ فلانة تزعم أنها أرضعتنا. وأردف هذه المرة قائلا ولا أظنها صادقة.