قال - رحمه الله - فصل هذا الفصل في بيان أحكام الشهادة على الشهادة , والشهادة على الشهادة مشروعة بالإجماع لم يخالف في هذا أحد من الفقهاء ودل على مشروعيتها أنّ الحاجة داعية إليها لأنّ شاهد الأصل قد لا يتمكن من أداء شهادته فنكون بحاجة إلى شاهد الفرع ولهذا دل النص والاعتبار على مشروعيتها ومازال الناس يحتاجون إلى شاهد الفرع مع شاهد الأصل.
يقول - رحمه الله - (لا تقبل الشهادة على الشهادة إلاّ في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي)
كتاب القاضي إلى القاضي يقبل في الأموال وما تقصد به الأموال دون الحدود كما تقدم معنا , وتقدم الخلاف وأنه قلنا أنّ الراجح أنّ كتاب القاضي إلى القاضي مقبول مطلقا فكذلك الشهادة على الشهادة مقيسة عليها وهي مقبولة مطلقا بل ربما نقول إنّ الشهادة على الشهادة أوثق نوعا ما من الكتابة لأنّ الشهادة يشهد بها مكلف عاقل يستحضر بينما الكتابة قد يعتريها ما يعتري الكتابات من الخطأ والسهو والنسيان وعلى كل حال هي مقيسة عليها فهي مقبولة في كل شيء.
قال - رحمه الله - (ولا يحكم بها إلاّ أن تتعذر شهادة الأصل)
يشترط لقبول الشهادة على الشهادة أن تتعذر شهادة الأصل فإن لم تتعذر شهادة الأصل فشهادة الفرع باطلة واستدلوا على هذا بأنّ شهادة الفرع يعتريها احتمالان: احتمال الخطأ من شاهد الأصل , واحتمال الخطأ من شاهد الفرع وإذا اعتراها احتمالان صارت لا تقبل إلاّ عند الحاجة.
والقول الثاني: أنّ الشهادة عل الشهادة مقبولة مطلقا تعذر أو لم يتعذر واستدلوا على هذا بالقياس على حال التعذر قالوا فإذا كنتم تقبلون حال التعذر فاقبلوها بلا تعذر وعلقنا مرارا على الاستدلال بمثل هذا أنه استدلال بمحل النزاع وأنه استدلال خطأ في الحقيقة من وجهة نظري كيف تستدل بمحل النزاع نحن ننازعك أنّ غير محل الحاجة لا يستوي مع محل الحاجة وأنت تقول أقيس محل غير الحاجة على محل الحاجة وهذا فيه إخلال بالمنطق الفقهي والراجح إن شاء الله أنها لا تقبل إلاّ عند الحاجة. ثم بيّن الحاجة لما فصلها.
قال - رحمه الله - (إلاّ أن تتعذر شهادة الأصل بموت , أو مرض , أو غيبة مسافة قصر)