هذا القول الأخير نصره شيخ الاسلام - رحمه الله -. وهو قول تتفق به الأدلة. لأن الأدلة فيها السجود قبل السلام وفيها السجود بعد السلام وفيها صور كثيره وفيها ترك التشهد وفيها الزيادةوفيها النقص فالحمع بين هذه النصوص كما مر معنا في حديث أبي سعيد الخدري وفي حديث ابن مسعود أحدهما قبل وأحدهما بعد. المهم. أن هذا القول الثالث تجتمع به الأدلة.
المسألة الثالثة: هل السجود الذي موضعه قبل السلام والسجود الذي موضعه بعد السلام فهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب والندب؟
فمذهب الحنابلة: أنه على سبيل الاستحباب والندب وهذا القول الأول.
وهذا القول ليس مذهباً للحنابلة فقط بل هو مذهب للجماهير بل حكي إجماعاً وممن حكى الإجماع الماوردي - رحمه الله - وأيضاً حكاه القاضي عياض وغيرهما فقد حكاه عدد من الفقهاء نقلوا الإجماع على أن موضع السجود على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب.
استدل هؤلاء بأن النبي - رحمه الله - تارة سجد قبل السلام وتارة سجد بعد السلام فدل ذلك على أنه مستحب وممن رجح هذا القول ابن عبد البر.
على أننا نقول أنه شبه إجماع فقد حكي من ثلاثة ومع أن الماوردي والقاضي عياض أشد تثبتاً في نقل الإجماع. والمسألة ليست محل إجماع قطعاً لكن حكاية الإجماع تعطي دلالة على أن هذا مذهب غالب أهل العلم.
القول الثاني: وهو مذهب لبعض الحنابلة. وقال شيخ الاسلام: أنه يفهم من كلام الإمام أحمد. يعني أنه - رحمه الله - لم يجد نصاً صريحاً عن الإمام أحمد لكن يفهم من كلام الإمام أحمد الوجوب.
أما الرواية المعروفة فهي الندب.
ونصر هذا القول شيخ الاسلام ورأى أنه هو القول الصواب واستدلوا بعموم قول النبي - رحمه الله -: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والنبي - رحمه الله - تارة سجد قبل السلام وتارة بعد السلام فيجب أن نصلي كصلاته - رحمه الله -.
والحقيقة الترجيح في هذه المسألة محل إشكال بسبب أن جمهور السلف والخلف من الأئمة من تابعي التابعين والأئمة الأربعة وعامة العلماء كلهم يرون أن هذا على سبيل الندب وبالمقابل ما رجحه شيخ الاسلام قوي من حيث الدليل ويؤيده عموم الحديث الذي أخرجه البخاري (صلوا كما رأيتموني أصلي).