وبهذا يمكن أنه نرفع ما يترتب على هذا القول من مؤاخذات كبيرة أو ضعف شديد بالنسبة لمذهب الحنابلة.
على أنا نقول أن الراجح والأظهر ظهوراً قوياً أنه لا بد من اتصال الصفوف إذا أراد الإنسان أن يصلي خارج المسجد.
(فائدة: قال شيخ الاسلام: إن صلى مع اتصال الصفوف صحت صلاته باتفاق الأئمة).
وهذا مفيد بحيث لا يعرض الإنسان صلاته للبطلان.
• ثم قال رحمه الله:
وتصح خلف إمام عالٍ عنهم. ويكره: إذا كان العلو ذراعاً فأكثر.
أفادنا المؤلف أن الصلاة خلف الإمام العالي صحيحة وهي تكره بشرط واحد وهو أن يكون علوه ذراه فأكثر فإن كان علوه أقل من ذراع صحت بلا كراهة.
نحتاج أدلة لكل هذا التفصيل:
أما دليل الصحة والكراهة فواحد وهو أن عماراً - رضي الله عنه - صلى بقومه على دكَّه فأخذ بيده حذيفة - رضي الله عنه - وأنزله ثم بعد الصلاة قال: (ألم تعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يؤم الرجل القوم وهو أعلى منهم).
وهذا الحديث دليل على أمرين:
الأول: الكراهة.
والثاني: الصحة.
ووجه دليله على الصحة أنه لم يستأنف وإنما استمر في صلاته - رضي الله عنه -.
وهذا الحديث الذي يظهر لي أنه ضعيف ومن المعاصرين من يحسنه لكن الأقرب أنه ضعيف لا تقوم به حجة.
الدليل الثاني: أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كانوا يكرهون ذلك أي أن يصلي الإمام وهو مرتفع عن المأمومين.
فهذان أثران عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعلم لهم مخالف أن ارتفاع الإمام مكروه مع صحت الصلاة.
وأما الدليل على أنه إن صلى لأقل من ذراع انتفت الكراهة فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه أنه صلى على المنبر ليعلم الناس الصلاة. ومعلوم أنه لا يمكن أن نتصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكراهة.
فدل هذا الحديث أنه إن كان ارتفاعه أقل من ذراع صحت بلا كراهة.
وأما الدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة صلى في الدرجة الأولى وهذا هو الذي يدل على أنه أقل من ذراع الدليل على ذلك هو أنه إنما صلى ليعلم الناس وهو سيحتاج إلى الركوع والسجود على الأرض ومن المعلوم أن الأنسب لذلك أن يقف على الدرجة الأولى ليتمكن من ذلك بسهولة.