للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (النساء: من الآية٤٣) وقرىء لامستم وهما قراءتان في السبع وهو محمول عند الشافعي، وغيره على التقاء البشرتين، وتفصيل ذلك وتقريره معروف في كتب الفقه، ويقال: منه لمس يلمس ويلمس بضم الميم في المضارع وكسرها لغتان مشهورتان، وبيع الملامسة مأخوذ من اللمس، وهو مفسر في هذه الكتب وفي الحديث: أن رجلا قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: “طلقها” قال: إنني أحبها قال: “أمسكها” ذكره في كتاب الطلاق من المهذب هو حديث صحيح مشهور، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من رواية عكرمة عن ابن عباس ولفظه في سنن أبي داود أنه قال: امرأتي لا تمنع يد لامس قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “غربها” قال: أخاف أن تتبعها نفسي قال “فأستمتع بها” وإسناده إسناد صحيح واحتج به إمامنا الشافعي، ثم قال الأصحاب وغيرهم من العلماء: على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفا، واحتجوا به على أن المرأة إذا لم تكن عفيفة استحب للزوج طلاقها، واحتج به بعضهم على صحة نكاح الزانية وعلى أن الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها، وهذا كله مصير منهم إلى أن المراد بقوله “لا ترد يد لامس” معناه: لا تمنع من يريدها للزنا، وكذا فسره الإمام أبو سليمان الخطابي إمام هذا الفن فقال في معالم السنن قوله: “لا تمنع يد لامس” معناه الزانية وإنها مطاوعة من أرادها لا ترد يده. قال: وقوله: “غربها” أي: أبعدها بالطلاق وأصل الغرب البعد، قال: وفيه دليل على جواز نكاح الفاجرة. قال: وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فاستمتع بها” أي لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها ومن وطرها، والاستمتاع بالشيء الانتفاع به إلى مدة، ومنه نكاح المتعة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} (غافر: من الآية٣٩) هذا آخر كلام الخطابي.

قلت: فكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشار عليه أولا بفراقها نصحية له، وشفقة عليه في تنزهه من معاشرة من هذا حالها، فأعلم الرجل شدة محبته لها وخوفه فتنة بسبب فراقها، فرأى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المصلحة له في هذا الحال إمساكها خوفا من مفسدة عظيمة تترتب على فراقها، ودفع أعظم الضررين بأخفهما متعين ولعله يرجى لها الصلاح بعد، والله تعالى أعلم.

وهذا الحديث مما قد يعرض فيه إشكال فبسطنا الكلام فيه بعض البسط لهذا المعنى، وإلا فهذا الكتاب مبني على الاختصار

<<  <  ج: ص:  >  >>