للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أبيه قبل بلوغه، وهاجر قبل أبيه، وأجمعوا أنه لم يشهد بدرًا لصغره، وقيل: شهد أُحُدًا، وقيل: لم يشهدها. وثبت فى الصحيحين عنه أنه قال: عُرضت على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام أُحُد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزنى، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازنى. وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد غزوة مؤتة، واليرموك، وفتح مصر، وفتح إفريقية.

وثبت فى صحيح البخارى، عن ابن عمر، قال: أول يوم شهدته يوم الخندق، وكان شديد الاتباع لآثار رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أنه ينزل منازله، ويصلى فى كل مكان صلى فيه، ويبرك ناقته فى مبرك ناقته، ونقلوا أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس.

رُوى له عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألف حديث وستمائة حديث وثلاثون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على مائة وسبعين، وانفرد البخارى بأحد وثمانين، ومسلم بأحد وثلاثين. روى عنه أولاده الأربعة: سالم، وحمزة، وعبد الله، وبلال، وخلائق لا يحصون من كبار التابعين وغيرهم، ومناقبه كثيرة مشهورة، بل قل نظيره فى المتابعة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى كل شىء من الأقوال والأفعال وفى الزهادة فى الدنيا ومقاصدها والتطلع إلى الرياسة وغيرها.

روينا عن الزهرى، قال: لا يعدل برأى ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستين سنة، فلم يخف عليه شىء من أمره، ولا من أمر الصحابة. وعن مالك قال: أقام ابن عمر ستين سنة تقدم عليه وفود الناس. وروينا عن الإمام البخارى فى كتابه كتاب رفع اليدين فى الصلاة، قال: قال جابر بن عبد الله: لم يكن أحد منهم ألزم لطريق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أتبع من ابن عمر.

وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن ابن عمر، قال: رأيت فى المنام كأن فى يدى قطعة استبرق، وليس مكان أريد من الجنة إلا طارت إليه، فقصصته على حفصة، فقصته على النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “رأى عبد الله رجلاً صالحًا”. وفى رواية فى الصحيحين: “أنا أخاك رجل صالح أو أن عبد الله رجل صالح” (١) .

وكان ابن عمر كثير الصدقة، فربما تصدق فى المجلس الواحد بثلاثين ألفًا. قال نافع: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشىء من ماله


(١) أخرجه البخارى (٦/٢٥٧٨، رقم ٦٦٢٥) ومسلم (٤/١٩٢٧، رقم ٢٤٧٩) وابن ماجه (٢/١٢٩١، رقم ٣٩١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>