تقرب به إلى الله تعالى، وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له. قال نافع: ولقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال، فلما أعجبه سيره أناخه بمكان، ثم نزل عنه، فقال: انزعوا عنه زمامه ورحله وأشعروه وجللوه وأدخلوه فى البدن، وكان كثير الحج.
قال نافع: سمعت ابن عمر وهو ساجد فى الكعبة، يقول: قد تعلم يا رب ما يمنعنى من مزاحمة قريش إلا خوفك. قال: وكان إذا قرأ هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[الحديد: ١٦] بكى حتى يغلبه البكاء. وقال ابن عمر: البر شىء هين، وجه طلق، وكلام لين. ولم يقاتل فى الحروب التى جرت بين المسلمين.
وروينا أن ابن عمر كاتب عبدًا له على خمسة وثلاثين ألف درهم، ثم حط عنه منها خمسة آلاف درهم. وكان ابن عمر يسرد الصوم، وهو أحد الصحابة الساردين للصوم منهم عمر، وابنه، وأبو طلحة، وحمزة بن عمرو، وعائشة.
روينا فى صحيح مسلم، عن عبد الله مولى أسماء، قال: أرسلتنى أسماء إلى ابن عمر، فقالت: بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم فى الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال ابن عمر: أما ما ذكرت من صوم رجب، فكيف بمن يصوم الأبد.
واعلم أن ابن عمر أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم ستة: أبو هريرة، ثم ابن عمر، ثم أنس، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وهو أحد العبادلة الأربعة، وقد سبق بيانهم فى ترجمة عبد الله بن الزبير. قال البخارى: أصح الأسانيد مطلقًا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ويسمى هذا الإسناد مسبك الذهب. قال أبو منصور التميمى: فعلى هذا أصحها الشافعى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر لإجماع أهل الحديث وغيرهم على أن الشافعى أجلّ الرواة عن مالك، وفى أصل هذه المسألة خلاف ذكرته واضحًا فى أول علوم الحديث، والمختار أنه لا يجزم فى إسناد أنه أصحها.
وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيه: “نعم