على السرير الذى غُسل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحُمل على السرير الذى حُمل عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونودى عليه: هذه جنازة يحيى بن معين، ذابّ الكذب عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والناس يبكون، واجتمعوا فى جنازته خلائق لا يحصون، ودفن فى البقيع.
قال إبراهيم بن المنذر: رأى رجل فى المنام النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه مجتمعين، فقال: ما لكم مجتمعين؟ قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جئت لهذا الرجل أصلى عليه، فإنه كان يذبّ الكذب عن حديثى. وقال بشر بن مبشر: رأيت يحيى بن معين فى المنام، فقال: زوجنى الله عز وجل أربعمائة حوراء بذبى الكذب عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ورثاه الشعراء وأحسنوا المراثى، ومن أحسنها ما ذكره ابن أبى حاتم، فقال: قال سليمان بن معبد يرثى يحيى بن معين، رحمه الله، وذكر صدر القصيدة، ثم قال:
لقد عظمت فى المسلمين رزية
وقالوا وإنا قد دفناه فى الثرى
فقلت ولم أملك بعينى عبرة
ألا فى سبيل الله عظم رزيتى
ومن ذا الذى يؤتى فيُسأل بعده
لقد كان يحيى فى الحديث بقية
فلما مضى مات الحديث بموته
وصرنا حيارى بعد يحيى كأننا
وليس بمغن عنك دمع سفحته
لعمرك ما للناس فى الموت حيلة
ولو أن مخلوقًا نجى من حمامه
تعزى به عن كل ميت رزيته
ولكنما أبكى على العلم إذ مضى
سقى الله قبرًا بالبقيع مجاورًا
فقد ترك الدنيا وفر بدينه
وخار له ربى خوار نبيه
وإنى لأرجو أن يكون محمد
غداة نعى الناعون يحيى فاسمع
فقال فؤادى حسرة يتصدع
ولا جزعًا إنا إلى الله نرجع
بيحيى إلى من نستريح ونفزع
إذا لم يكن للناس فى العلم مقنع
من السلف الماضين حين تقشعوا
وأدرج فى أكفانه العلم أجمع
رعية راع بثهم فتصدعوا
ولكن إليه يستريح المفجع
ولا لقضاء الله فى الخلق مدفع
إذًا لنجى منه النبى المُشفع
فرزء رسول الله أشجا وأفجع
فما بعد يحيى فيه للناس نفزع
نبى الهدى غيثًا يجود ويمرع