بعض العلماء حديث أبى هريرة، يعنى المشهور، فى كتاب الملاحم من سنن أبى داود وغيره، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وفى الثانية الشافعى، وفى الثالثة ابن سريج، وفى الرابعة أبو حامد الإسفراينى.
وروى الشيخ أبو عمر بإسناده، أن المحاملى لما علم المقنع كتابه المشهور، أنكر عليه شيخه أبو حامد الإسفراينى لكونه جَرَّد فيه المذهب، وأفرده عن الخلاف، وذهب إلى أن ذلك مما يقصر الهمم عن تحصيل الفنين، ويحمل على الاكتفاء بأحدهما، ومنعه من حضور مجلسه، حتى احتال لسماع درسه من حيث لا يحضر المجلس.
وعن أبى الفتح سليم بن أيوب الرازى، أن الشيخ أبا حامد كان فى ابتداء أمره يحرس فى درب، وأنه كان يطالع الدرس فى رتب الحرس، ويأكل من أجرة الحرس، وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام يُفتى إلى ثمانين سنة. قال: ولم دنت وفاته قال: لَمَّا تَفَقَّهْنَا مُتْنَا.
ولما بلغ الشيخ أبا حامد أن المحاملى صَنَّف المجموع، والتجريد، والمقنع، قال أبو حامد: بَتَرَ كُتُبى بَتَرَ الله عُمره، فما عاش بعد ذلك إلا قليلاً. وأرسل أبو حامد إلى مصر فاشترى أمالى الشافعى بمائة دينار حتى كان يُخَرِّج منها.
واعلم أن مدار كُتب أصحابنا العراقيين أو جماهيرهم مع جماعات من الخراسانيين على تعليق الشيخ أبى حامد، وهو فى نحو خمسين مجلدًا، جمع فيه من النفائس ما لم يشارك فى مجموعه من كثرة المسائل والفروع، وذكر مذاهب العلماء، وبسط أدلتها، والجواب عنها، وعنه انتشر فقه طريقة أصحابنا العراقيين.
وممن تفقه على أبى حامد من أئمة أصحابنا: أقضى القضاة أبو الحسن الماوردى صاحب الحاوى، والقاضى أبو الطيب، وسليم بن أيوب الرازى، وأبو الحسن المحاملى، وأبو على السنجى، تفقه السنجى عليه وعلى القفال المروزى، وهما شيخا طريقى العراق وخراسان فى عصرهما، وعن هؤلاء المذكورين انتشر المذهب.
واعلم أن نُسَخ تعليق أبى حامد تختلف فى بعض المسائل، وقد نبهت على كثير من ذلك فى شرح المهذب، والله أعلم.