حنيفة لا ينام الليل، فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عنى بما لا أفعله، فكان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعًا.
وعن مسعر بن كدام، قال: دخلت ليلة المسجد، فرأيت رجلاً يصلى، فاستحليت قراءته، فقرأ سبعًا، فقلت: يركع، ثم قرأ الثلث، ثم النصف، فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله فى ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة.
وعن زائدة، قال: صليت مع أبى حنيفة فى المسجد العشاء، وخرج الناس، ولم يُعلم أن فى المسجد أحدًا، فأردت أن أسأله مسألة، فقام فافتتح الصلاة، فقرأ حتى بلغ هذه الآية:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: ٢٧] ، فلم يزل يرددها حتى أذَّن المؤذن الصبح وأنا أنتظره.
وعن القاسم بن معن، أن أبا حنيفة قام ليلة بهذه الآية:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر: ٤٦] ، يرددها ويبكى ويتضرع. وعن مكى بن إبراهيم: جالست الكوفيين، فما رأيت فيهم أورع من أبى حنيفة.
وعن وكيع قال: كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله تعالى فى عرض كلامه إلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق به، ثم جعل إن حلف أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقًا فى عرض كلامه تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا كسا ثوبًا جديدًا كسا بقدر ثمنه الشيوخ والعلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه ضعف ما يأكل فجعله على الخبز، ثم يعطيه الفقير.
وعن وكيع قال: كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شىء، ولو أخذته السيوف فى الله تعالى لاحتملها. وعن ابن المبارك، قال: ما رأيت أورع من أبى حنيفة، قد جرب بالسياط والأموال.
وعن قيس بن الربيع، قال: كان أبو حنيفة ورعًا، فقيهًا، كثير البر والصلة لكل من لجأ إليه، كثير الأفضال على إخوانه، وكان يبعث البضائع إلى بغداد فيشترى بها الأمتعة، ويجلب إلى الكوفة، ويجمع الأرباح من سنة إلى سنة، فيشترى بها حوائج الأشياخ المحدثين وأثوابهم وكسوتهم، وما يحتجون إليه، ثم يعطيهم باقى الدنانير من الأرباح، ويقول: أنفقوها فى حوائجكم، ولا تحمدوا إلا الله تعالى، فإنه والله ما يجريه الله لكم على يدى، فما فى رزق الله حول لغيره.
وعن حفص بن حمزة القريشى، قال: كان أبو حنيفة ربما مرَّ به الرجل