وقوله لا أباليه لا أكترث له، وإذا قالوا لم أبل حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أدر، وكذلك يفعلون فى المصدر، فيقولون: ما أباليه بالة والأصل بالية مثل عافاه الله تعالى عافية. وناس من العرب يقولون: لم أبله، وبلى الثوب يبلي بلى بكسر الباء، فإن فتحتها مددت، قال العجاج:
كر الليال واختلاف الأحوال
والمرء يبليه بلاء السربال
وأبليت الثوب فبلي وبلى حرف لجواب التحقيق يوجب ما قال لك لأنها ترك للنفي، هذا آخر كلام الجوهري.
وقولهم: لا أبالي به قد استعملوه في هذه الكتب وغيرها وهو صحيح، وقد أنكره بعض المتحذلقين من أهل زماننا، وزعم أن الفقهاء يلحنون في هذا، وأن الصواب لا أباليه، وأنه لم يسمع من العرب إلا هذا، وغلط هذا الزاعم بل أخبرنا بجهالته، وقلة بضاعته، بل يقال: لا أبالي به صحيح مسموع من العرب.
وقد روى الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي الإمام في أول كتابه “آداب الفقيه والمتفقه” بإسناده: عن معاوية رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن لم يبال به لم يفقهه”، ورويناه هكذا في “حلية الأولياء”.
وثبت في الصحيحين: عن أبي برزة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يبالي بتأخير العشاء هكذا هو في الصحيحين بتأخير بالباء.
وثبت في “صحيح البخاري”: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام” ذكره في باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران:١٣٠) في اول كتاب البيوع.
وثبت في صحيح مسلم، وسنن أبي داود في كتاب الجنائز منهما: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتته امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي.
وثبت في صحيح البخاري في كتاب “الإيمان”: في باب كيف كانت يمين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: “أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة، قالوا: بلى” هكذا هو في الأصول