للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الذي أتى به بعض بيتين. قال ابن السكيت في إصلاح المنطق، والأزهري والجوهري، وغيرهم من أهل اللغة وغيرهم: قالت امرأة من العرب ترقص ابنا لها:

ولا تكونن كهلوف وكل

وارق إلى الخيران زنأ في الجبل

اشبه أبا أمك أو أشبه حمل

يصيح في مضجعه قد انجدل

قال الأزهري: حمل يعني: بفتح الحاء والميم اسم رجل، والهلوف يعني: بكسر الهاء وفتح اللام المشددة الرجل العظيم الخلق، والوكل يعني: بفتح الواو والكاف الرجل الضعيف، وانجدل سقط إلى الجدلة يعني: بفتح الجيم وهي الأرض، وكل هؤلاء ذكروا البيتين لامرأة من العرب وأنشدوهما كما قدمته، إلا الجوهري فإنه قال:

أشبه أبا أمك أو أشبه عمل

بعين بدل الحاء، ذكره في فصل العين من حروف اللام، وقال: عمل اسم رجل، وسمى المرأة فقال: هي منفوسة بنت زيد الخيل.

وقال أبو زكريا التبريزي إنكارا على الجوهري: وإنما قال قيس بن عاصم المنقري: يرقص ابنا له، فقال: "أشبه أبا أمك أو أشبه عمل" يعني: عملي، ولم يرد عمل اسم رجل كما قال الجوهري، واقتصر الجوهري في فصل الزاي من حرف الهمزة على القدر الذي في المهذب، ونسبه إلى قيس بن عاصم المنقري، فقال: وقال قيس بن عاصم المنقري: "وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل" هذا بيان حال الشعر، وأما ضبط اللفظة فهي بفتح الزاي وإسكان النون وبعدها همزة منصوبة منونة، ومعناه: صعودا. قال أهل اللغة: يقال: زنأ في الجبل يزنأ زنأ وزنوءا بمعنى صعد.

زنى: قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور: من الآية٢) وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: من الآية٣٨) يقال: ما الحكمة في أن بدأ في الزنى بالمرأة وفي السرقة بالرجل، وما الحكمة في أن جعل حد السارق بعقوبة العضو الذي وقعت به الجناية وهو اليد، وفي الزاني بغيره؟

والجواب عن الأول: أن الزنى من المرأة أقبح فإنه يترتب عليه تلطيخ فراش الرجل وفساد الأنساب؛ ولأنه في العادة يستقبح منها هي في إخفائه أكثر من الرجل، وغير ذلك من الأمور التي تقتضي زيادة قبحه منها على الرجل، ولهذا كان تقديمها أهم، وأما السرقة فالغالب وقوعها من الرجال فقدموا لذلك. وأما الحكمة الثانية: فلآن قطع اليد يحصل به عقوبة محل الجناية من غير مفسدة، وفي قطع الذكر مفسدة، وهو إبطال النسل المندوب إلى إكثاره، ولأن الحد لزجر المحدود وغيره، فإذا قطعت اليد وحصل الزجر، ولو قطع الذكر لم يدر به.

ولم يجمل قوله في المهذب: ولو قال للرجل: يا زانية بالهاء كان قذفًا؛ لأن الهاء قد تزاد للمبالغة، كقولهم علامة ونسابة، هكذا قاله جماعة

<<  <  ج: ص:  >  >>