في القرآن والسنة الصحيحة المشهورة في إثبات القدر. والثاني: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمن بعدهم من السلف لم يزالوا على الإيمان بإثبات القدر وإغلاظ القول على من ينفيه. وفي أول صحيح مسلم عن ابن عمر قال: أخبروهم أني بريء منهم وأنهم براء مني حتى يؤمنوا بالقدر كله خيره وشره. والثالث: أنا أثبتناه لله تعالى وهم زعموه لأنفسهم، وادعوا أنهم مخترعون لأفعالهم ولم يتقدم بها علم، فمن أثبته لنفسه كان بأن ينسب إليه أولى ممن نفاه عن نفسه وأثبته لغيره، وهذا الثالث هو قول ابن قتيبة ثم إمام الحرمين رحمهما الله تعالى، والله تعالى أعلم.
قول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(القدر:١) اختلف في معناه على ثلاثة أقوال، أصحها وأشهرها: أن معناها أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منجمًا في أوقات مختلفة في ثلاث وعشرين سنة أو عشرين أو خمس وعشرين على حسب الاختلاف في مدة إقامته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة بعد النبوة. والثاني: معناه أنزل في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة فكان ينزل إلى السماء الدنيا في كل سنة ما يريد الله تعالى إنزاله في السماء منجمًا، ثم ينزل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة منجمًا. والثالث: معناه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل في جميع الأوقات من جميع السنين.
روى الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: “أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة”. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ورواه من طريق آخر بمعناه، وقال: صحيح على شرطهما. وحكى الواحدي وغيره القول الثاني عن مقاتل وقاله أيضًا الإمام أبو عبد الله الحليمي، والقول الثالث حكاه الماوردي عن الشعبي، وهو ضعيف مخالف لما صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومحله من القرآن بالمرتبة المعروفة.
وقوله في أول باب المسابقة في الحديث: “حق على الله تعالى أن لا يرفع من هذه القدرة شيء إلا وضعه”. ذكر جماعات ممن شرح ألفاظ المهذب منهم أبو القاسم بن التوزي وابن باطيش وغيرهما: أنه القدرة بضم القاف وبالدال المهملة، قالوا: والقدرة هي بمعنى المقدور كالخلقة بمعنى المخلوق ونظائره. قال: وروي أيضًا بفتح القاف وبالذال