للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدها، وإذن فقد عبر بالعيون عن الجواسيس مجازا مرسلا، علاقته الجزئية، لأن العين جزء من الجاسوس-ومثله كذلك إطلاق القافية على القصيدة، في قول معن بن أوس المزني١ في ابن أخته:

أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد٢ ساعده رماني

وكم علمته نظم القواقي ... فلما قال قافية هجاني

الشاهد في البيت الثاني حيث عبر بالقافية، وأراد: القصدية، بقرينة لفظ "قال" لأن معناه: "نظم"، والنظم إنما يكون للقصائد كما لا يخفى- فلفظ قافية" إذن مجاز مرسل، علاقته الجزئية، إذا أن القافية جزء من القصيدة.

غير أنه يشترط لعلاقة الجزئية- غالبا- أحد أمور ثلاثة:

الأول: أن يكون انتفاء الجزء مستلزما لانتفاء الكل كما في إطلاق الرقبة على الذات، في المثال الأول، إذ ليس من شك: أن إتلاف الرقبة إعدام الذات، فلا يصح حينئذ: إطلاق اليد، أو الرجل، أو الأنف على الذات، مجازا مرسلا علاقته الجزئية، لأنها أجزاء لا يستلزم انتفاؤها انتفاء الذات عادة، ولا نتوقف عليها حياتها.

الثاني: أن يكون للجزء مزيد اختصاص بالمعنى المقصود من الكل، كما في إطلاق العين على الرقيب "في المثال الثاني" فإن المعنى المقصود من الرقيب: هو الاطلاع والتجسس، ولا شك أن للعين مزيد اختصاص في تحقيق هذا الغرض، إذ بانعدامها لا يتحقق معنى الرقابة -فإطلاق "اليد" مثلا على الرقيب مجازا مرسلا لا يجوز، إذ ليس لها مزيد اختصاص بالمعنى المراد من الرقيب.


١ هو شاعر مخضرم يجيد القول في باب الحكم، وفي الشعر الخلقي.
٢ يروى بالسين المهملة من التسديد في الرأي الإصابة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>