للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستعارة في علم الشخص:

اعلم: أن الاستعارة لا تصح في علم الشخص -ذلك: أن معناه جزئي لتشخصه وتعينه خارجا، فتصوره يمنع من وقوع الاشتراك فيه- فلفظ "محمد" مثلا لا يصح جعله "استعارة" لشخص آخر بينه وبين "محمد" مشابهة في شيء، إذ هي تقتضي: ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، باعتباره أحد أفراده -كما عرفت، وهذا يقتضي: عموم المشبه به، و"محمد" المذكور لا عموم فيه، إذ لا يحتمل غير مسماه الذي وضع له- اللهم إلا إذا عرف بوصف، واشهر به "كحاتم" مثلا، فإنه علم على الطائي المعروف١, ولكنه اشتهر بالجود، وذاع صيته فيه، حتى صار بحيث إذا أطلق لفظ "حاتم" فهم منه معنى الجود، وحينئذ يصح جعله كليا باعتبار هذا الوصف. فإذا شبه إنسان بحاتم في الجود وجب أن يتأول في "حاتم" فيجعل كأنه موضوع للجواد مطلقا، وهو -كما ترى- معنى كلي يشمل حاتما الطائي وغيره من أجاويد الناس، ويكون شأنه في ذلك شأن "أسد": من حيث دلالته على العموم، فيصح حينئذ: أن تشبه آية ذات كريمة "بحاتم" ثم يستعار لها لفظه، باعتبارها أحد أفراده ادعاء، فيقال: "رأيت اليوم حاتما يعطف على البائسين"، ويراد محمد الكريم مثلا، والقرينة حالية, هي العلم بعدم وجود شخص حاتم الطائي لانقراضه.

وهكذا يتأول في كل عام شخص اشتهر بنوع من الوصف، وبهذا التأويل يصح جعله استعارة "كمادر"٢ المشتهر بالبخل "وقس"٣ المشتهر بالفصاحة


١ هو ابن عبد الله بن سعد المضروب به المثل في الجود.
٢ هو رجل من بني هلال وهو المضروب به المثل في البخل. قيل: سمي "مادرا" لأنه سقى إبلا له من حوض ولما رويت الإبل بقي في أسفل الحوض بقية ماء فسلح فيها ومدر الماء أي: خلط بعضه ببعض مخافة أن يستقي من حوضه أحد.
٣ هو قس بن ساعدة الأيادي أحد خطباء العرب الأعلام في العصر الجاهلي، وقد ضرب به المثل في الفصاحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>